(وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْها وَإِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلَّا قَلِيلاً)(٧٦).
(وَإِنْ كادُوا) كيدا وقربوا دنوا (لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ) إذ لم يتمكنوا من استفزاز واستخفاف دعوتك ورسالتك ولا طرفا منها ، فيكيدون إذا كيدهم لاستفزازك عن أرض الوطن وعاصمة الدعوة (لِيُخْرِجُوكَ مِنْها) إخراجا للدعوة واستفزازا للرسالة عن عاصمتها «وإذا» حيث يخرجونك (لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ) بعدك وفي خلافك ، «إلا قليلا» كما لم يلبثوا إلّا عشرا ، وفي خلالها غزوات وانهزامات ام ماذا من معركات!.
ترى ولما إذ تأتي مكة هنا في صيغة عامة «الأرض» عله لأنها أصل الأرض حيث مكّت وبكّت من تحتها ، ولأنها عاصمة الرسالة الإسلامية فاستفزاز الرسول عنها استفزاز له عن الرسالة كلها ، او أن في تنحية له الرسول عن ارض الوطن العاصمة الى الغربة النائية عن العاصمة تنحية له عن دعوته ولكن : (إِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلَّا قَلِيلاً) (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ) (٨ : ٣٠) مكرا في الحفاظ عليه إذ هو في الغار ، ومكرا في ارجاعه الى مكة بفتح مبين.
ولماذا خلافك ، تاتي هنا بمعنى بعدك وخلفك وقد تنافيه فصاحة التعبير؟ لان «خلافك» هنا تعني الخلف والخلاف! فهم خلف اخراجك من الأرض لا يلبثونه ولا خلافك إلّا قليلا ، وقد زالت هذه الخلفية بفتح مكة ان رجع إليها فاتحا ، ورجعوا هم عن خلافهم الى وفاقه طوعا او كرها ، وهذه من الإنباءات الغيبية القرآنية ، تبشرة برجوعه الى العاصمة بعد قليل ، وان المشركين المستفزين سوف يرجعون مسلمين او مستسلمين!