اوحى الله مثلثا من علم الروح كما تفيده (قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) حدوثا ومادية في كونه وانه (مِنْ أَمْرِ رَبِّي) في كيانه.
فإذ لا علم بالروح إلا قليلا للأقلين ثم القليلين فبأحرى لا طاقة لخلقه وتحصيله لأحد من العالمين! فما الروح أيا كان (مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً)! ويروى «لقد قبض الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم» وما يعلم الروح» (١) بحقيقته أيا كان ، اللهم إلّا قليلا ، وله في وحيه مثلث الروح : منزلا هو روح العصمة في قلبه ، ومنزلا به هو روح القدس جبريل ام الروح عظيم الملائكة ، ونازلا هو روح الوحي قرآنا وسواه من وحي.
وكمثال على عدم استقلاله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) على مكانته العليا ، في تحصيل الروح أيا كان ، من وحي وروح العصمة القدسية ، يتهدده ربّه خطابا بإياك اعني واسمعي يا جارة ، ان ليس الوحي ومثيله حصيلة كمال العقل ونبوغه (وحي العقل) ولا ان ذلك علة تامة في حصوله لكي تقتضي بقاءه على اية حال ، وإنما هو أمر من أمر الرب يهبه لمن يشاء ويصرفه عمن يشاء : ولئن ...
(وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنا وَكِيلاً. إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كانَ عَلَيْكَ كَبِيراً)(٨٦).
لو ان هذه الروح او تلك كان من أمرك ككل أمر منك ، فلا تذهب إذا عنك ، حيث الاستقلال في الحصول على شيء يمنع الاستغلال في الذهاب به دون خيره المستقل ـ رغم أننا (وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) من روح قدسية ومن وحي ...
لقد شاء الله ان يحتبس الوحي عن رسوله لفترة قصيرة لحكم شتى ،
__________________
(١) الدر المنثور ٤ : ٢٠٠ ـ اخرج ابن أبي حاتم وابو الشيخ عن عبد الله بن بريدة قال.