شغلها أو تركها ، فإن كان إلهاءه لزاما تركوه كخاصة الملهيات ، وإن لم يكن لزاما تغلبوه ، ف (لا تُلْهِيهِمْ ...) أي مله عما يتوجب عليهم من ذكر الله ، وهم يعيشون ذكره دائبين ، ومن إقام الصلاة وإيتاء الزكوة!
فهم هنا يقلّبون قلوبهم عما سوى الله إلى الله ، وأبصارهم عن الملهيات إلى آيات الله ، فلا ترى بصائرهم وأبصارهم إلا ما يذكّرهم الله : «ما رأيت شيئا إلا وقد رأيت الله قبله وبعده ومعه وفيه» ولا تحنّ قلوبهم إلى شيء ، ولا تكنّ إلّا حبّ الله ومعرفته ، ولأنهم يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار ، فهم يقلّبونها هنا كيلا تتقلب هناك ، فهم وافدون إلى ربهم متقلبين إليه ومنقلبين وكما أمروا «موتوا قبل أن تموتوا»!
فالأبصار هي التي تبصر أنوار الهداية الإلهية بصرا وبصيرة ، والقلوب هي التي تتلقى تلك الأنوار ، وهؤلاء الرجال هم أصول تلك الأنوار ، إذ هم (مَثَلُ نُورِهِ) فليكونوا دائبين في ذكر الله ، حيث أذن الله لبيوتهم أن ترفع ويذكر فيها اسمه!
ولأن القيامة (خافِضَةٌ رافِعَةٌ) بروزا للحقائق كما هيه ، فقد تعني تقلب القلوب والأبصار ـ فيما تعنيه ـ : أن قلوبا فرحة من الكفار تتقلب إلى قرحة ، كما قلوب قرحة للمؤمنين تتقلب فرحة ، وتتقلب أبصار منفتحة إلى الشهوات ، منغمزة عامية ، أو شاخصة خاشعة ، وأبصار خاشعة من خشية الله ، منغمزة عن حرمات الله ، تتقلب منفتحة ناظرة ناضرة.
ثم قلوب خاوية عن اليقين تتقلب إلى يقين ، إذ تكشف الغطاء عن أبصارها ، دونما فائدة إلّا إثبات الحجة وخوض اللّجة ، وأبصار أبصرت إلى الدنيا ـ دون أن تبصر بها ـ فعميت ، تتقلب هناك بصيرة تبصر ما عمّيت عليها.
وقلوب المؤمنين تتقلب إلى يقين أعلى ، وأبصارهم إلى بصائر أظهر