وكما آية النور مثلث بمسبّع النور تخلصا عن الظلمات السبع ، كذلك آية الظلمة هذه تمثيلة بمسبع الظلمة ، ف «كظلمات» تعني غاسق الليل ، بلا قمر ، ولا نجوم ، ثم (فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ) المتردد أمواجه ظلمة رابعة (يَغْشاهُ مَوْجٌ) خامسة (مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ) سادسة (مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ) سابعة «ظلمات» سبع (بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ) ولا تتصور ظلمة فوقها فإنها لا نور فيها ف (إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ) من هذه الأمواج أو فيها (لَمْ يَكَدْ يَراها) فإن فاصل النور أيا كان هو الذي يسمح للإبصار ، فإذ لا نور فلا إبصار ، حتى يده التي هي أقرب الأشياء إليه ، ليس أنه ـ فقط ـ لا يراها بل (لَمْ يَكَدْ يَراها) فقد لا يراها إذ لا نور ، ولكنه يكاد يراها لنور يأتي ، ولكنما الكافر صد عن نفسه كل نور فليس ليرى حتى يده.
فالذين كفروا هم خارجون ومخرجون عن كافة الأنوار آفاقية وأنفسية ، فلا يرون حتى أنفسهم (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ) (٣ : ٢٥٧) (كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها) (٦ : ١٢٢) (كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ ، كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ).
في آية الظلمات السبع ثلاثة أنواع من الظلمات : ظلمة البحر اللجي بأمواجه ، وظلمة السحاب ، وظلمة غاسق الليل ، كما للكافر ظلمات ثلاث في القول والعقيدة والعمل خلوا من كل نور ، وحتى في حسناته إذ لا ترتبط بمعدن النور.
ولماذا «يده» دون رجله أماذا من جوارحه؟ لأنها أقرب ما يراه منها ، فإذ لا يراها فهو مسدود عن كل رؤية ، كفر غاسق وظلمة مطلقة منقطعة عن نور الهدى ، وضلال لا يرى فيه الرائي أقرب معالم الهدى! أو لأن اليد تعبير عن أعماله الحسنة على كفره ، فلا يكاد يراها يوم الأخرى لأنها حابطة غامرة!