أترى أن مجرد إزجاء السحاب من مختلف الأبخرة يكفي لتكوّن سحاب يمطر ودقا أو مطرا أو بردا؟ كلّا! فهناك التأليف بينه لينشئ سحابا ثقالا ، حيث الأبخرة المتفرقة والخفيفة لا تنزل ودقا فضلا عن برد : (هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ) (١٣ :) ١٢)
هنالك الرياح تجمع بين كتل البخار المسحبة المزجاة ، فتجعله ركاما : (وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذا أَقَلَّتْ سَحاباً ثِقالاً سُقْناهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنا بِهِ الْماءَ ...) (٧ : ٥٧).
والسحاب الثقال هي التي تحمل الماء لركامها ، إزجاء ثم تأليفا (ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكاماً) سحابا ثقالا! وكل هذه عمليات قاصدة هادفة ، ونحن نرى الأفعال ولا نرى الفواعل الطبيعية فضلا عن الفاعل الإلهي أو ملكوتا من فعله.
وهناك ثقل أوّل للسحاب وتحت ضغوط الرياح وبرودة الهواء أماذا من معدات ، ينتج نزول الأمطار : (فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ) كأنها غرابيل تغربل ودق المطر ، كما يترائى لرائي الأرض! والودق هو بداية المطر ، أوّل ما ينزل من غرابيل السحاب كأنه غبار المطر براعة استهلاله ، ثم المطر ، فالودق هو بداية المطر ومناديه ، ثم تنضم أجزاءه فتصبح قطرات بعد الغبرة ، وبسرعة بعد الفترة ، ومن ثم إذ تكاثفت السحاب بركام واندغام أكثر ، وفي برودة أوفر ، أصبحت كجبال البرد : (وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ ...).
إن مشهد السحاب الضخمة الكثيفة التي تغربل ثلجا وبردا هو مشهد الجبال حقا ، فمهما كانت لا تترائى لناظر الأرض جبالا ، فإنها ترى لراكب الطائرة التي تحلق فوقها أو تسير بينها ، ترى جبالا بضخامتها ومساقطها