من مصلحة اليسر في الحياة أو البقاء فيها كقتال من يستطيعه في سبيل الله ، فإنه يقدم على استئصال نفسه ، إبقاء على دين الله ، وليس يرفع العسر عن التكاليف الموضوعة على العسر كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد والدفاع والخمس والزكاة إمّا ذا من عسر حالي او مالي أو مقالي ، وإنما العسر المرفوع يخص ما فيه يسر وفيه عسر كالصوم على صحة أو مرض فعسره مرفوع!
وكما لا حرج على الأعمى والمريض والأعرج في الجهاد إذ لا يأتون فيه بشيء أثمن من حياتهم ، كذلك لا حرج عليهم في مواكلة من سواهم ، رغم ما كانوا يتحرجون عنها او يتحرج عنهم ، أو عن مصاحبتهم إلى بيوت أقاربهم ، كما كان من سواهم متحرجين عن الأكل من هذه البيوت إلّا بدعوة او صراح الإذن ولا سيما بعد ما نزلت آية (لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ ...) فأصبحوا في حساسية مرهفة حذرا أن يقعوا في فخ النهي فيلموا بالمحظور مهما كان بعيدا ، فنزلت آية البيوت نافية لأحراج من ذويها المحتاطين (١).
ومن قضية الرباط بين (وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ) وبين (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا ...) نتلمح بينا أن «أن تأكلوا» تشملهم مع «أنفسكم» فلا حرج في استصحابهم معكم في هذه البيوت لأنهم فقراء ، ولا في تركه دون
__________________
(١) نور الثقلين ٣ : ٦٢٤ في تفسير القمي في رواية عن أبي جعفر (عليه السلام) في الآية وذلك ان اهل المدينة قبل ان يسلموا كانوا يعزلون الأعمى والأعرج والمريض ان يأكلوا معهم ، كانوا لا يأكلون معهم وكان الأنصار فيهم تيه (تكبر) وتكرّم فقالوا : ان الأعمى لا يبصر الطعام والأعرج لا يستطيع الزحام على الطعام والمريض لا يأكل كما يأكل الصحيح فعزلوا طعامهم على ناحية وكانوا يرون عليهم في مؤاكلتهم جناح وكان الأعمى والأعرج والمريض يقولون لعلنا نؤذيهم إذا أكلنا معهم فاعتزلوا عن مواكلتهم فلما قدم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) سألوه عن ذلك فانزل الله الآية.