إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) بل ولأن الاستغفار لا يحض مورد العصيان ولا ترك الأولى فعلّه يؤمر بالاستغفار لهم طلبا لغفر سيئات لهم جزاء لما استأذنوا وتكريما لهم! وليس الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ممن يأذن بجناح حتى يكون الاستغفار عن جناح الإذن ، ولو كان ـ ولن ـ فليستغفر لنفسه لماذا أذن ، لا للمأذون المعذور لماذا أذن! وهنا (اسْتَغْفِرْ لَهُمُ)! وهذه لمحة لطيفة إلى أصالة المصلحة الجماعية فيما عارضتها مصلحة فردية ، ليتعوّد المؤمنون رعايتها! والذي يستأذن الرسول او يدعوه لشأن من شئونه ليس له ان يجعل دعاءه كدعاء البعض بعضا :
(لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ اللهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِواذاً فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ)(٦٣)١.
ترى وماذا يعني هنا دعاء الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ دعاءهم إياه أن يوقروه في دعاءهم ويعزروه ، امتلاء لأقوالهم وأحوالهم وأعمالهم من توقيره كنبي لا كمؤمن مثلهم ، وهي لفتة ضرورية أدبا بارعا أمام النبي المؤدّب المعلم ، فكل فلتة عامدة أو جاهلة عن هذه اللفتة فلتة عن صالح الإيمان (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ. إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ أُولئِكَ الَّذِينَ
__________________
ـ وذلك انه تزوج في الليلة التي كان في صبيحتها حرب احد فاستأذن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ان يقيم عند اهله فانزل الله عز وجل هذه الآية (فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ) فأقام عند اهله ثم أصبح وهو جنب فحضر القتال واستشهد فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) رأيت الملائكة تغسل حنظلة بماء المزن في صحائف فضة بين السماء والأرض فكان يسمى غسيل الملائكة.