الماضي ، الضارب إلى بداية الخلق ، ولكن الخلق في مثلث الزمان يخصه و (اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) يعم الماضي ، و «كل شيء» يعم كل كائن سواء من ذوات وصفات وأفعال ، وخلقه لشيء الأفعال الاختيارية لا ينافي الإختيار ، حيث الإذن تكوينا في كل فعل ـ كما في سواه من أشياء ـ يخصه تعالى ، طالما للمختار اختيار مقدمات لما يريد ، ف «لا جبر ولا تفويض بل امر بين أمرين».
ثم (فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً) بعد (خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ) تفريعا عليه ، تجعل الخلق مقدرا حينه : (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ) (٥٤ : ٤٩) ومقدرا بعده (قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) (٦٥ : ٣). فالاوّل تفريع في تأخر رتبي ، والثاني في تأخر زمني ، فالخلق مقدر بتقدير العليم الحكيم في بعدية.
إذا فلا فوضى في أصل الخلق ، ولا في تقديره بعد الخلق ، ف (كُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ. عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعالِ) (١٣ : ٩).
أجل! «وان تنظيم الخلق بهذه الدقة البارعة الفائقة التصور ، فلو كانت قشرة الأرض أسمك مما هي بضعة أقدام ، لامتص ثاني اكسيد الكربون الأوكسجين ، ولما أمكنت حياة للنبات! ـ
ولو كان الهواء أرفع كثيرا مما هو ، فبعض الشهب التي تحترق الآن في الهواء بالملايين ، كانت تضرب جميع أجزاء الكرة الأرضية ، وهي تسير بسرعة تتراوح بين ستة أميال وأربعين ميلا في الثانية ، وكان بإمكانها أن تشعل كل شيء قابل للاحتراق ، ولو كانت تسير ببطء رصاصة البندقية لارتطمت كلها بالأرض ، ولكانت العاقبة مروعة ، وأما الإنسان فاصطدامه بشهاب ضئيل يسير بسرعة تفوق سرعة الرصاصة تسعين مرة كان يمزقه إربا