التدوين والتكوين ، إذا فالكاتب واحد هو الله الواحد القهار (وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً).
فكما أن رسول الوحي على بينة في أقواله وأفعاله وتصرفاته أنه رسول الوحي : (قالُوا رَبُّنا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ) فبأحرى كتاب الوحي المتحدى به على الجن والإنس ، هو بيّنة بنفسه على أنه وحي ، دونما حاجة إلى بينة أخرى.
فأين الكتاب الذي يحوي على سر السماوات والأرض وأين أساطير الاوّلين؟ بل وأين هو وكل سرّ يعلمه العلماء في مشارق الأرض ومغاربها طول الزمان وعرض المكان ، فإن كان كتاب سرّ السماوات والأرض من أساطير الأولين ، فما هو ـ إذا ـ سائر الكتابات التي تعجز عن ظاهر العلن فضلا عن باطن السر.
قضية الفرقان هي من القضايا التي قياساتها معها ، فكل سرّ في الكائنات يظهر على تقدم العقل والعلم في عجلتهما العاجلة والآجلة ، نراه مكشوفا في القرآن باهرا لا ريب فيه ، أفلا يدل ذلك على أنه (أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ)؟
(إِنَّهُ كانَ غَفُوراً رَحِيماً) وترى ما هي الصلة بين هذا التعقيب وذلك التقديم؟ هي أن رحمته الواسعة اقتضت إنزالا لكتاب السر ، إماما لراحلة العالمين في التكشف عن اي سر في السماوات والأرضين ، كما اقتضت الترحم على الناكرين لوحي القرآن ، إمهالا لهم رويدا ، وهم يرتكبون اكبر الخطايا والظلامات الزور بحق القرآن ورسول القرآن ، بتلك الدعوى المتهافتة ، ومن قبل كانوا يصرون على الإشراك بالله ، ولكن باب التوبة ـ مع كل ذلك ـ مفتوحة بمصراعيها ، والرجوع عن الخطيئة مهما كانت كبيرة ، فالذي يعلم السر في السماوات والأرض ، فيعلم ما