يمشون على الأرض سهلة هينة لينة ، دون مرح او جبروت وخيلاء ولا تنفّج ولا تصعير خد او تخلّع او ترهّل ، فالنفس الزكية السوية المطمئنة تخلع من صفاتها على مشية صاحبها في الحياة الأرضية بكل حركاتها وسكناتها ، بكل وقار وطمأنينة وسكينة.
إنهم هون حتى مع الجاهلين ، دون المتعندين المستكبرين ، فهناك هم (أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ).
((٢) وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً).
فالمخاطبة الجاهلة لا تبعثهم لحراك في عراك مع الجاهلين ، والاشتباك مع السفهاء والحمقى ، ترفعا عن المهاترة ، لا عن ضعف أو خوف لمقابلة بمثل ، وإنما صيانة للوقت ، واستعلاء على الموقف ، وتزكية لنفوس جاهلة بمقابلة «سلاما» علها ترجع عن غيها.
وليس (قالُوا سَلاماً) ـ فقط ـ قولهم : سلاما ، فقد يرجع ذلك القول إلى تحريض لهم أكثر ، كمن هم عارفون بعض الشيء هذه الآية ، فإذا قلت سلاما انبروا : أنت تعتبرنا من الجاهلين في قولك سلاما؟
وإنما «سلاما» هو قول يجعلهم في سلم عن جهالتهم ، تنازلا عن غلوائهم ، وذلك القول السلام يختلف بمختلف الحالات والطويات.
ومن ناحية الأدب اللفظي ليس سلاما مفعولا ل «قالوا» بل هو وصف لمفعول ك ـ قولا ، قالوا : قولا سلاما ، ومنه السلام عليكم ، ومنه سواه كما يناسب معالجة الموقف الجاهل او المتجاهل.
هذه مشيتهم في وضح النهار ، وأما هم في ظلم الليل :
(٣) (وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِياماً)