الإيمان الإيقان بالمبدء والمعاد وما بين المبدء والمعاد ، من الواجب معرفته أخذا من المبدء وحيا وسواه ، وانتهاء إلى المعاد لقاء للرب.
ثم العلم بالحياة الدنيا إذا كان ذريعة إلى الشعور الكامل بزوالها ، ومنظارا للنظر إلى عواقبها ، ومعيارا للعمل الصالح فيها لأخراها ، فهو علم بباطنها إبصارا بها حيث تبصر أصحابها ، دون الإبصار إليها كمنتهى وغاية فانها ـ إذا ـ تعميهم.
هؤلاء الأغبياء إنما (يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا) فقد يعلم باطنها بملكوتها ويركن ـ رغم ذلك العلم ـ إليها ، أو يعلم كل ظواهرها ومظاهرها دون باطنها فأجهل بالحق وأنكى ، ذرهم يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا ، ألم يعلموا أن لها مبدء ومعادا؟.
(أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ ما خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ لَكافِرُونَ) ٨.
فقضية تكوينهم ان يفكروا كيف كوّنوا ومن كوّنهم ولما ذا؟ وان يتفكروا في أنفسهم ـ دون اقتصار على ظاهر من الحياة الدنيا ـ يتفكروا أنه (ما خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ) : بسبب الحق وغايته ومصلحته ومصاحبته ، وإلّا ب (أَجَلٍ مُسَمًّى) حيث الكون بنفسه دليل على ضرورة نهايته كما يدل على بدايته للفقر الذاتي فيه ، «و» لكن (إِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ) وهم النسناس منهم (بِلِقاءِ رَبِّهِمْ) في ربوبية الجزاء يوم الآخرة «لكافرون» كفرا مصلحا عامدا ، ام تجاهلا وتغافلا.
ويكأنهم منفصلون عن نفوسهم الإنسانية إذ انقطعت عن أنفسها وانجذبت إلى ظاهر من الحياة الدنيا ، فلا تسمح لهم أن يبصروا بها حتى يتبصّروا وإنما يبصرون إليها فيعمهون كل عاقل ذي نفس إنسانية لمّا يسبر