(الم ١ تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ) ٢.
«تلك» البعيدة الأغوار ، النازلة في الزمن الرسولي ، كهذه وما مضت وتستقبل (آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ) : حكيما عند الله قبل نزوله : (وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ) (٤٣ : ٤) حكيما بنازله ليلة القدر ، وحكيما في تفصيله : (كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ) (١١ : ١).
والحكمة في كلّ من الثلاث كما تناسبه ، كالإجمال في الأوّلين ام ثالث التفصيل ، والإتقان في الكلّ عن اي تدخل وتسرّب من سواه ، والحكمة البلاغية لفظية ومعنوية في كل الحقول ، محلقة على كلّ العقول ، بعيدة عن الذبول والأفول ، حاكمة حكيمة محكمة كأنها الحكيم نفسه ، إذ برزت وركزت فيها حكمة الرب الممكنة البروز ككلّ ودون إبقاء.
(هُدىً وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ) ٣
(الْكِتابِ الْحَكِيمِ) حالكونه «هدى» نفسها «ورحمة» نفسها حيث تجسدتا فيه حاملا كل الهدايات والرحمات الإلهية للكلّ كفاعلية مطلقة ، و «للمحسنين» كقابلية بفعلية الاهتداء والرحمة ، والتنوين فيهما يعني التعظيم البعيد عن الأفهام.
و «المحسنين» هم الذين يحسنون الايمان وعمل الايمان على ضوء (الْكِتابِ الْحَكِيمِ) :
(الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) ٤.
فإقام الصلاة عمودا للدين مثال لكافة الصلات الربانية بينهم وبين الله فانها معراج المؤمن ، وإيتاء الزكاة من كل الوهبات الربانية لعباد الله ، يحلّق على كل الصلات الخلقية ، ثم (وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) تؤصّل صلتهم بالله