ترك احسان ألّا تسيء إليهما ولا تحسن حيث الفرض هو الإحسان ، وهذه هي الضابطة الشاملة على أية حال ، المقتضية لطاعتهما على أية حال ، إلّا إذا كانت عصيانا لله فكلّا ، فتركا لطاعتهما فيه مع الحفاظ على المصاحبة الحسنة فيما وراءها ، حيث الصلة بالله وفي الله هي الصلة القمة الأولى ، لا تساويها أو تساميها أية صلة ، فلا تناحرها صلة الوالدية فيما تنافرتا ، وليست الصلة الوالدية إلّا بما قرر الله في حقلي التكوين والتشريع ، فكيف تتقدم على صلة الله! فكل صلة تتهاوى بجنب صلة الله ، إلّا ما تصلك بالله ، وتسرع عجلة سيرك إلى الله (١) فانما طاعتهما في المباحات التي لا امر فيها ولا نهي ، صارما ام راجحا أم فعل المستحبات وترك المكروهات ، فكما تجب المستحبات وتحرم المكروهات بنذر أو عهد أو قسم ، كذلك ـ وبأحرى ـ بأمر الوالدين فان طاعتهما فيهما هو من حسن عشرتهما ، اللهم إلّا في الموارد الحرجة أو العسرة فلا ، فترك المستحبات وفعل المكروهات بأمر الوالدين ليس من واجب الطاعة لهما مهما جازت إلّا إذا حملت تشريعا فمحرمة.
(وَإِنْ جاهَداكَ) بالغ الجهد في جحد التوحيد الحق بكل حقوله طاعة وعبادة (لِتُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) اشراكا في ايّ من شئون الربوبية ، من
__________________
(١) روى الترمذي عند تفسير هذه الآية انها نزلت في سعد بن أبي وقاص وامه حمنة بنت أبي سفيان وكان بارا بامه فقالت له : ما هذا الدين الذي أحدثت ، والله لا آكل ولا اشرب حتى ترجع إلى ما كنت عليه أو أموت فتتغير بذلك ابد الدهر يقال : يا قاتل امه ، ثم انها مكثت يوما وليلة لم تأكل ولم تشرب فجاء سعد إليها وقال يا أماه لو كانت لك مائة نفس فخرجت نفسا نفسا ما تركت ديني ، فكلي ان شئت وان شئت فلا تأكلي فلما أيست منه أكلت وشربت فانزل الله هذه الآية .. وفي الدر المنثور عن قتادة في الآية قال : أنزلت في سعد بن مالك لما هاجر قالت امه : والله لا يظلني ظل حتى يرجع فانزل الله في ذلك ان يحسن إليهما ولا يطيعهما في الشرك.