وقيل للقمان : ما الذي أجمعت عليه من حكمتك؟ قال : «لا أتكلف ما قد كفيته ولا أضيع ما وليته» (١).
«فوعظ لقمان ابنه بآثار حتى تفطّره وانشق وكان فيما وعظه به أن قال : يا بني إنك منذ سقطت الى الدنيا استدبرتها واستقبلت الآخرة فدار أنت إليها تسير أقرب إليك من دار أنت عنها متباعد ، يا بني جالس العلماء وزاحمهم بركبتيك ، ولا تجادلهم فيمنعوك ، وخذ من الدنيا بلاغا ولا ترفضها فتكون عيالا على الناس ، ولا تدخل فيها دخولا يضر بآخرتك ، وصم صوما يقطع شهوتك ولا تصم صياما يمنعك من الصلاة فان الصلاة أحب الى الله من الصيام ، يا بني ان الدنيا بحر عميق قد هلك فيها عالم كثير ، فاجعل سفينتك فيها الايمان ، واجعل شراعها التوكل ، واجعل زادك فيها تقوى الله ، فان نجوت فبرحمة الله وإن هلكت فبذنوبك ، يا بني إن تأدبت صغيرا انتفعت به كثيرا ، ومن عنى بالأدب اهتم به ومن اهتم به تكلف علمه ، ومن تكلف علمه اشتد له طلبه ، ومن اشتد طلبه أدرك منفعته ، فاتخذه عادة فانك تخلف في سلفك ، وينتفع به من خلفك ، ويرتجيك فيه راغب ، ويخشى صولتك راهب ، وإياك والكسل عنه بالطلب لغيره ، فان غلبت على الدنيا فلا تغلبن على الآخرة ، وإذا فاتك طلب العلم في مظانه فقد غلبت على الآخرة ، واجعل في أيامك ولياليك وساعاتك نصيبا في العلم فانك لن تجد له تضييعا أشد من تركه ، ولا تمارين فيه لجوجا ، ولا تجادلن فقيها ، ولا تعادين سلطانا ، ولا تماشين ظلوما ولا تصادقنه ، ولا تصاحبن فاسقا ناطقا ، ولا تصاحبن متهما ، واخزن علمك كما تخزن ورقك.
__________________
(١) قرب الاسناد هارون بن صدقة عن جعفر عن أبيه عليهما السلام قيل للقمان : ...