ففي توفي الموت إزهاق الأرواح عن الأبدان ، دون أن تتفلت عن المتوفّين أو تضل عنهم بضلال عام أم خاص ، فكل الأجزاء للكيان الإنساني محفوظة في علم ملك الموت وهي في قبضته أينما حلت وضلت ، ولا سيما الأجزاء الأصلية لكل إنسان التي فيها يحشرون ، فإنها مهما ضلت في الأرض أو أصبحت أجزاء لآخرين ، ليست لتضل عن ملك الموت ، ولا لتصبح أجزاء اصلية لآخرين.
كل الأجزاء الإنسانية نفسية وجسمانية هي محفوظة محفوفة بعلم رب العالمين ، مقبوضة بقدرته ، فلا تعزب عن علمه ولا عن قدرته في النشآت الثلاث : دنيا وبرزخا وعقبى ، بل و (يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ) وكالة ربانية أن يتوفاكم : أخذا وافيا دون عزوب ولا غروب لكل أجزاءكم ، فمهما ضلت عامة أو خاصة عنكم وعن الآخرين ، ليست لتضلّ عن رب العالمين ، بل ولا عن (مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ) ولا عن الملائكة الأعوان ، فالله هو المتوفي أصليا ، وملك الموت يتوفاكم فرعيا ، والملائكة الأعوان بفريقيهم يتوفونكم كأعوان لوكيل الأموات :
و «هل يحس به أحد إذا دخل منزلا أم هل تراه إذا توفى أحدا ، بل كيف يتوفى الجنين في بطن أمه ، أيلج عليه من بعض جوارحها ، أم الروح أجابته بإذن ربها ، أم هو ساكن معه في أحشائها ، كيف يصف إليه من يعجز عن صنعة مخلوق مثله»؟ (١)
ولقد يروى عن رسول الهدى (صلّى الله عليه وآله) قوله «الأمراض والأوجاع كلها بريد الموت ورسل الموت ، فإذا حان الأجل أتى ملك الموت
__________________
(١) نهج البلاغة عن الإمام علي أمير المؤمنين (عليه السلام).