ان دعوة الله التي تحملها رسالات الله هي واحدة الانبعاث والاتجاه ، والمؤمنون بكل رسالة حقة هم في الحق إخوة في دين الله ، أمة واحدة تعبد إلها واحدا (يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ. وَإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ. فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) (٢٣ : ٥٣).
ثم ولا تحكم في زمن واحد لعامة المكلفين إلّا شرعة واحدة من الخمس للدين ، فعلى كل المؤمنين بالله ان ينضموا إلى شرعة الحق الحاكمة في كل زمن ، تاركين الخلافات المتخلفة عن الدين وعن شرعة الدين.
وقد يفترى على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنه جادل أهل الكتاب بالتي هي أحسن في العهد المكي وهو في ضغط المطاردة من المشركين ، ثم في العهد المدني ـ وقد قويت شوكته ـ أخذ يحاربهم تركا للحسنى إلى السوأى!
وهذه فرية وقحة عليه يعالجها هذا النص حيث يأمره أن يجادلهم بالتي هي أحسن على أية حال ، حال الضعف وحال القوة (إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) فلا ، سواء في حال الضعف أم حال القوة ، ضابطة صارمة ثابتة في كل الحالات والمجالات بايجابيتها وسلبيتها ، والأصل فيهما هو ضرورة الأخذ بالصورة الأخيرة من صور الدعوة ، الموافقة لما قبلها ، المكملة لها كلها كما أرادها الله.
(وَكَذلِكَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ فَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هؤُلاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا الْكافِرُونَ) ٤٧.
«وكذلك» الأسلوب الذي أنزلنا إلى من قبلك الكتاب (أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ) فالمصدر واحد والصادر وحي واحد مهما اختلفت شرعة من الدين