أما والذي نفس محمد بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية ولكني أعطيت جوامع الكلم واختصر لي الحديث اختصارا» (١).
اجل وفي هذا القرآن كفاية عن كلما دق وجل ، المذكورة في كل كتابات السماء والأرض ، وهو المحور الأصيل ردا لكل شارد وإيرادا لكل وارد ، لا يقبل إلّا ما وافقه ، وينكل بكل ما فارقه ، و (إِنَّ فِي ذلِكَ) الوحي الآية ، البالغ في بعدي وحي الرسالة وبرهانها ، النهاية «لرحمة» رحيمية ربانية خالدة على مدار الزمن «وذكرى» تذكّر كل منسي ومجهول (لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) بآيات الله ، حيث القرآن خير آية رسولية ورسالية قاصعة قاطعة لا ريب فيها ، فقوم يؤمنون زمن الرسول وبعده إلى يوم الدين ، لهم في آية القرآن الكفاية التامة الطامة ، دون حاجة إلى آية أخرى بصرية أو بصيرية ، فانها الشهادة الكاملة الكافلة الإلهية بين الرسول وكافة العالمين :
(قُلْ كَفى بِاللهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ وَكَفَرُوا بِاللهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) ٥٢.
وليس هذا كلاما خطابيا ودعوى فاضية عن برهان ، بل هو اتقن برهان لوحي القرآن انه شهادة إلهية كافية بين الرسول وكافة العالمين ، فطالما لله شهادات لسائر الرسل في سائر الآيات الرسالية ، ولكنها ما كانت لتكفي إلّا وقتية محدودة بحدودها المقررة لها ، واما القرآن ـ كما ورسول القرآن ـ فهو شهادة ذاتية كافية ما أكفاها لحق الرسالة بحاقها ، لا تختص بزمان دون زمان ، ولا بأهل زمان دون آخرين ، بل هي حجة رب العالمين إلى يوم الدين ، فكما الله (يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) كذلك كتابه الشهيد يحوي من علم الله ما في السماوات والأرض ، علما يختص بالله ، فالقرآن الحاوي لذلك العلم ليس إلّا من الله : (لكِنِ اللهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ
__________________
(١) المصدر ١٤٨.