حملتم ، حين تؤدون واجب الاتجاهات الحيوية الايمانية (وَهُوَ السَّمِيعُ) لقالاتكم وقالات الآخرين منكم ، السميع دعاءكم «العليم» بحالاتكم وحاجياتكم.
فليست هذه الآية واضرابها تسمح للبطلة والبتلة عن طلب الرزق ، بل هي تعني الذين يطبّقون واجبهم في المهاجرة وسواها بايمانهم فتنقطع عنهم أسباب الرزق في تقديراتهم ، فهنا يأتي دور الرزق من حيث لا يحتسب : (.. وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللهَ بالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) (٦٥ : ٣).
وليست المهاجرة المضمون فيها الرزق من حيث لا يحتسب مختصة بترك الأوطان في الله ، بل هي كل مهاجرة في الله ، وأفضلها من يهاجر عن المكاسب المادية إقبالا على تعلم دين الله وتعليمه ككل الطلاب الربانيين لعلوم الدين ، فان الله هو الرزاق ذو القوة المتين.
وليس الرزق المضمون لأهله هو الكثير الغزير دوما ، إنما هو أقله أم يزيد ، ما يقيم الأود وهو لقمة القوت ، البقية على حياة ، كيف لا والرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) على محتده العالي في تقوى الله مضى عليه ما لم يذق طعاما لأيام ، وعلى حدّقوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) : ... وهذه صبح رابعة منذ لم أذق طعاما ولم أجده ولو شئت لدعوت ربي فأعطاني مثل ملك كسرى وقيصر ..» (١)
__________________
(١) الدر المنثور ٥ : ١٤٩ ـ اخرج عبد وابن حميد وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي وابن عساكر بسند ضعيف عن ابن عمر قال خرجت مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) حتى دخل بعض حيطان المدينة فجعل يلتقط من التمر ويأكل فقال لي با ابن عمر مالك ـ