فمن هذا (١) نحكم ونقول إن الناظر فى المرآة يتخيل (٢) له فى المرآة أنه يرى صورته وليس كذلك ، بل الشعاع إذا لاقى المرآة فأدركها (٣) كر منعكسا فلاقى صورة الناظر فأدركها ، (٤) فإذا رأى المرآة ونفسه فى سمت واحد من مخرج الخط الشعاعى يتخيل (٥) أن أحدهما فى الآخر. قالوا : (٦) والدليل على أن ذلك ليس منطبعا فى المرآة أنه يرى المرئى فى المرآة بحيث لا يشك أنه ليس فى سطح المرآة ، وإنما هو كالغائر فيه والبعيد عنه. وهذا البعد لا يخلو إما أن يكون بعدا فى غور المرآة ، وليس للمرآة ذلك (٧) الغور ، (٨) ولا أيضا إن كان لها ذلك الغور كانت المرآة مما يرى ما يتشبح فى باطنها ، فبقى أن يكون ذلك البعد بعدا فى خلاف جهة غوره فيكون بالحقيقة إنما أدرك الشىء بذلك البعد من المرآة ، فلا يكون قد انطبع شبحه فى المرآة.
فيلزمنا أول شىء أن نبطل المذهبين الأولين ، فنثبت صحة مذهبنا وهو الثالث ، ثم نكر على هذه الشبه (٩) فنحلها فنقول : إن الشىء الخارج من البصر لا يخلو إما أن يكون شيئا ما (١٠) قائم الذات ذا وضع ، فيكون (١١) جوهرا جسمانيا ؛ وإما أن يكون شيئا لا قوام له بذاته وإنما يقوم بالشيء المشف الذي بين البصر والمبصر. ومثل هذا الشىء فلا يجوز أن يقال له بالحقيقة : إنه خارج من البصر ، (١٢) ولكن يجب أن يقال : إنه انفعال للهواء من البصر ، ويكون الهواء بذلك الانفعال معينا فى الإبصار. وذلك على وجهين : إما على سبيل إعانة الواسطة ، وإما على سبيل إعانة الآلة.
وقبل الشروع فى التفصيل ، فإنى أحكم حكما كليا أن الإبصار ليس يكون باستحالة من الهواء إلى حالة تعين البصر البتة ، وذلك لأن تلك الحالة لا محالة تكون هيئة فى الهواء ليست معنى إضافيا بحسب ناظر دون ناظر. (١٣) فإنا لا نمنع وجود هذا القسم ، بل نقول لا بد منه ، ولا بد من إضافة تحدث للهواء مع الناظر
__________________
(١) هذا : + ما د ، ك ، م
(٢) يتخيل : يتمثل م.
(٣) فأدركها : فأدركه د.
(٤) فأدركها : فأدركه د.
(٥) يتخيل : تخيل ف
(٦) قالوا : قال د ، ف ، ك.
(٧) ذلك (الاولى) : ساقطة من م
(٨) الغور : البعد ك.
(٩) الشبه : الشبهة ك.
(١٠) ما : ساقطة من ف
(١١) فيكون : ويكون د ، ك ، م.
(١٢) البصر : المبصر م.
(١٣) دون ناظر : ساقطة من م.