بعضها بعضا ، فلذلك تختص كل واحدة (١) منها بموضع ، فيكون للمميزة الدماغ ، ويكون للغضبية الحيوانية القلب ، ويكون للشهوانية الكبد.
فهذه هى المذاهب المشهورة فى أمر النفس وليس يصح منها إلا المذهب الأخير مما عد أولا فلنبين صحته. ثم نقبل (٢) على حل الشبه التي أوردوها فنقول : قد بان مما ذكرناه أن الأفعال المتخالفة هى بقوى متخالفة وأن كل قوة من حيث هى فإنما هى كذلك من حيث يصدر عنها الفعل الأول الذي لها فتكون القوة الغضبية لا تنفعل من اللذات ولا الشهوانية من المؤذيات ولا تكون القوة المدركة متأثرة مما تتأثر عنه هاتان ولا شىء من هاتين من حيث هما قابل للصور المدركة متصور لها. فإذا كان هذا متقررا فنقول : إنه يجب أن يكون لهذه القوى رباط يجمعها (٣) كلها فتجتمع إليه ، (٤) وتكون نسبته إلى هذه القوى نسبة الحس المشترك إلى الحواس التي هى الرواضع. فإنا نعلم يقينا أن هذه القوى يشغل بعضها بعضا ، ويستعمل بعضها بعضا ، (٥) وقد عرفت هذا فيما سلف. (٦) ولو لم يكن رباط يستعمل هذه فيشتغل ببعضها (٧) عن بعض فلا يستعمل ذلك البعض ولا يدبره ، لما (٨) كان بعضها يمنع بعضا عن فعله بوجه من الوجوه ولا ينصرف عنه. لأن فعل قوة من القوى إذا لم يكن لها اتصال بقوة أخرى ، لا يمنع القوة الأخرى عن فعلها إذا لم تكن الآلة مشتركة ولا المحل مشتركا ولا أمر يجمعهما غير ذلك مشتركا. ونحن (٩) نرى أن الإحساس يثير (١٠) الشهوة ، والقوة الشهوانية لا تنفعل من (١١) المحسوس من حيث هو محسوس ، فإن انفعل لا من حيث هو محسوس لم يكن الانفعال الذي يكون لشهوة (١٢) ذلك المحسوس ، فيجب لا محالة (١٣) أن يكون هو الذي يحس. وليس يجوز أن تكون القوتان واحدة ، فبين
__________________
(١) واحدة : واحد م.
(٢) نقبل : لنقبل ف.
(٣) يجمعها : يجمع ك ، م.
(٤) إليه : البتة ك.
(٥) ويستعمل بعضها بعضا : ساقطة من ف.
(٦) سلف : + لك ف
(٧) ببعضها : بعضها ك.
(٨) لما كان : لكان كما كان م.
(٩) ونحن : وكيف ونحن د ؛ كيف ونحن ف
(١٠) يثير : تثيره ك.
(١١) من (الأولى) : عن ك.
(١٢) لشهوة : بشهوة د ، ك.
(١٣) لا محالة : ساقطة من ك.