ظهره فيه ما يمكنه حمله من مأكول وغيره. وعلى فم ذالك القراب ثوب مقنط لعله فراشه ، وبيده مكحلته وعليه سيفه. ويعلق عليه أيضا ما يجعل فيه البارود والقراطيس وإقامات الحرب. وهذا كله مبالغة في الحزم ، فإذا أمره كبيره بالسفر ، يجد نفسه مستجمعا لكل ما يحتاج إليه.
ثم بعد أن مرت جموع الرجّالة ، تلتهم أصحاب المدافع ثم الفرسان. وكان عندهم هنالك أربعة وعشرون مدفعا من مدافع الاثني عشر ، كلها تشرق لصقالتها وصفائها ، في أربعة صفوف. كل صف فيه ستة مدافع ، وكل صف من المدافع يتلوه صف آخر يحمل إقامتها في ربيعتين (١) لكل مدفع. وكل مدفع على كريطته يجرها ستة من الخيل ، اثنان أمام اثنين. ولكل مدفع عشرة من الطبجية يباشرون عمارته وإخراجه وجره ، ثلاثة منهم راكبون على ثلاثة من الخيل ، وباقيهم راكب على المدفع وعلى كراريط إقامته ، ويعلق على كل كريطة فردة كريطة أخرى يحملونها احتياطا ، ليلا ينكسر لهم شيء من ذالك ، فيجدون خلفه قريبا حاضرا ، حتى مرت صفوف المدافع كلها بإقاماتها.
ثم أقبلت الخيل تتلوهم ، انقسموا أيضا أقساما وقطعا كما تقدم العسكر الرجلى. وأول من يتقدمهم أصحاب الموسيقى راكبين على خيولهم ، لاكن إنما هم أصحاب الغيطات وليس فيهم أطبال. وهاؤلاء الخيالة أنوع : منهم طائفة بأيديهم سيوف مسلولة ومكاحلهم قصار معلقة عن يمينهم. ومنهم طائفة بالرماح فقط ، في رأس كل رمح رقعة صغيرة مثلثة اللون بيضاء وحمراء وزرقاء ، يرى لها خفقان واضطراب من بعيد ، زيادة في الإدهاش والإرهاب ، يفزعون بها كما يفزعون ببريق السيوف المسلولة والتوافل والبيضات التي على رءوسهم. ومنهم طائفة بالبيضات على رءوسهم (٢).
__________________
(١) مفردها ربيعة بتسكين الراء ، ومعناها هنا صندوق يستعمل لحفظ البارود ، واستعمال هذه اللفظة شائع في العامية المغربية. التي غالبا ما تعني صندوقا من حجم صغير يحتفظ فيه بالأشياء الثمينة. لكن من الممكن أن تكون الربيعة كبيرة الحجم ، كما هو حال الصندوق الذي يوضع في أضرحة الأولياء لتجمع فيه الهبات النقدية المقدمة من طرف الزوار. انظر : Harrell ,p.٣٢١
(٢) أشار ابن خلدون في المقدمة إلى مدى وقع التأثير النفسي للرايات والموسيقي أثناء المعارك ، فقال إن الهدف من «نشر الألوية والرايات وقرع الطبول والنفخ في الأبواق والقرون» هو إرعاب العدو. وأضاف قائلا : «إن النفس عند سماع النغم والأصوات يدركها الفرح والطرب بلا شك ، فيصيب مزاج الروح نشوة يستسهل بها الصعب ويستميت في ذلك الوجه [...] لأجل ذلك تتخذ العجم في مواطن حروبهم الآلات الموسيقية». المقدمة ، النسخة العربية سابقة الذكر ، ص ٢٥٨.