أنهم جعلوا دائرة من صفر مصمتة كوجه المكانة ، وبسطوها ورشموا في دائرتها الحروف كلها وحركاتها من فتحة وضمة وكسرة لأنها عندهم حروف أيضا. وهذه الدائرة مسمرة في كرسي منزلة عليه مبسوطة ، وفي جانب كرسيها الذي هي منزلة عليه ثقب بعدد الحروف ، تحت كل حرف ثقب. ثم عملوا قبالتها دائرة أخرى فيها الحروف كلها أيضا ، إلا أنها قائمة لا مبسوطة ، وفي وسطها موري (١) يصل رأسه للحروف. ووصلوا بين الدائرتين بخيطين ، أحدها من جانب والآخر من الجانب الآخر ، وكأن الخيطين من سلك فيهما تجعيد.
فإذا أراد المتكلم أن يتكلم مع صاحبه بكلمة ، عمد إلى أول حرف منها في الدائرة المبسوطة ، فغرز إبرة في الثقب الذي تحت ذالك الحرف ، ويدورها حتى يحصرها خازوق (٢) هنالك. وفي حال حركة هذا الحرف ، يتحرك الموري الذي في الدائرة الأخرى ، فيجعل يدور حتى يصل لذالك الحرف فيقف عنده ، ثم يشير لحركته فيشير لها الموري أيضا ، وهكذا فكلما أشار الأول لحرف ودور الدائرة الأخرى لذالك الحرف حتى يقف عنده. وهكذا حتى يستوعب ما شاء من الكلام مع صاحبه ، مع فهم كامل وتبليغ تام في أبلغ سرعة. زعموا أنه لو اتصلت هذه الحركة بين هاتين الدائرتين ، لوصل الكلام من الأولى للثانية إذا كان بينهما ماية ألف وخمسة عشر ألف ساعة في ثانية من الثواني التي هي سدس عشر الدقيقة. وهذا أمر يكاد يحيله العقل ، لاكن من شاهد ذالك لا ينكره. اختبرناه بكم من كلمة ، فإذا أشير إلى الحرف في الدائرة الأولى ، لم ندرك أن ننقل بصرنا منها إلى الدائرة الثانية ، حتى يكون الموري قد وقف عند الحرف المشار إليه. وزعموا أنهم وصلوا هذه الحركة من باريز إلى أورليا (٣) وبينهما تسعون ميلا. وأنها عندهم أيضا موصلة من
__________________
(١) لا يعرف أصل هذه الكلمة ، غير أن معناها واضح من خلال السياق ، والمقصود بها هنا هو المؤشر الشبيه بعقرب الساعة (المعرب).
(٢) جاء تعريفه عند البستاني كالتالي : «عبارة عن وتد طويل حاد الرأس كان يستعمل من جملة العقوبات لمن يستحق القتل [...] وذلك بأن يدخل في إست المحكوم عليه فيخرق أحشاءه ويصعد في جوفه» ، أورده الصبيحي ، معجم ، ص. ١١٥. أما معناها هنا فواضح من خلال السياق ، فهو بمثابة قضيب حديدي يلعب هنا دور الحاجز (المعرب).
(٣) أي أورليان ، وبالفرنسية هكذا (Orle؟ans).