والكلام على الرؤساء يتعلق بأحكام القرية وعلاقاتها بأمرائها وبحكومتها وبالمجاورين ، وهي إدارة صغيرة بل أول إدارة بسيطة ، وتشكيلاتها ابتدائية ثم تتوسع الإدارة وتتضخم ..
والإمارة أقل تدخلا ، والعلاقة بها أقل ، وهي عامة تشمل جملة قرى ، وتتناول إدارة أكثر من قرية بإيجاد ناظم للقرى ، ومدبر لها أو مدير يتعهد شؤونها وهذه تختلف في توسعها عن الإمارة العربية ، فإن الإمارة العربية تنشأ من تضخم القبيلة بحيث يكون كل فرع قد نال شكل قبيلة. والرئيس العام لها يتولى إدارتها وهو بمنزلة رئيس القبيلة كما أنه منها ، والقبائل التي تحت سلطته تكون بمنزلة الفروع بل هي الفروع. وفي القبائل الكردية هذه ليس بشرط (١) ولكن قد يتناول قبائله التي تضخمت بما تكاثر منها بمرور الأزمان ، وما انضم اليها فصار يعد منها .. فالجاف إمارة لنفس القبيلة المتكاثرة مع ما انضم إليها من القبائل بحيث بقيت محافظة على وضعها الأصلي. وأما (إمارة بابان) فإنها تتناول قبائل مختلفة ، وقرى متباينة فكانت هذه أشبه بالحكومة أو هي الإمارة بعينها.
ويوضح صلة الأمير أو الرئيس العام ما جاء عن إمارة الجاف في النصوص التاريخية التي نقدمها ، وكذا يقال في غيرها ، وذلك أن الدولة تفرض ضريبة على قبائل الجاف ، ويتولى أمرها (أمير الجاف) ، وله عائدات منها أو من غيرها بعد أن تكون بنجوة من الحكومة بما تدفعه إليها ..
وفي كل الأحوال نرى القبائل أو القرى في طاعة تامة لرؤسائها وأمرائها لا تكاد تشبهها طاعة ، ولا يوازيها إذعان في أكثر من عرفنا في أنحائنا .. بل لا يعرف هؤلاء إلا خالقهم وإلا رؤساءهم. تلك هي الإذعان التام .. ومن ملك إذعانهم وكان حسن التدبير ، قويم الإدارة ، نافذ النظر ملك بهم ما شاء ، وسيرهم السيرة المرضية التي يبلغ بها حدا لائقا ، ومبلغا فائقا ...
__________________
(١) ونشاهد مثل هذا في بعض القبائل الريفية من العرب.