والكرد من العناصر الفعالة في العراق أيام العهد الإسلامي ، ولهم الأثر الجميل في كافة أنحاء المعرفة والإدارة والعمل للحضارة. وهم قوم قائم بحياله على الأرجح ولم يكن من بادية إيران كما توهم البعض بل يصح أن تكون إيران قد تولدت منه ، وبنت ثقافتها على أساس البداوة الكردية ، واستقت نفوسها ـ بلا ريب ـ من الكرد أو من بعض أقسامه القريبة منها. والأدلة كثيرة على قدم هؤلاء ، ورسوخهم في الحضارة ، فقد نزحوا الى المدن ، وسكناها ومالوا اليها بألفة وقبول تامين ، فلم يستنكروا ذلك ، ولا عارضوا كما يشاهد في العناصر البدوية فإنهم مالوا خطوة إثر خطوة حتى وصلوا الى الزرع ، ثم الى الغرس وتعهد المغروسات ثم تأسيس القرية وهكذا تدرجوا حتى فقهوا الحياة المدنية ، ولكنهم لا يزالون حتى في أرقى المدن محافظين على بعض العوائد ، والتقاليد القومية الموروثة ، فلم يروا وسيلة لاهمالها ، أو نسيانها فالكثير من الأمور لا يزال على حالته. والكرد أقرب الى تمثيل الحضارة ، لم يمض أمد قليل حتى أصبحوا من أعضاء الحضارة النافعة.
والتاريخ في مجراه ، وفي حوادثه العديدة برهن على أن هذا العنصر منذ دخل الإسلام صار من أهم أركانه ، وأخلص لعقيدته ، وتأثر بمبدئه السامي. ومن ثم نال نصيبا وافرا من الحضارة ومكانة مقبولة ، مرضية. الأمر الذي دعا أن يكون من أهم أركان نهضته .. وعلماؤه ، وأدباؤه ومؤرخوه ، ورجال سياسته ومدنه وصناعاته. كل هذه أكبر دليل تاريخي ، بل شاهد محسوس لما ناله من المنزلة السامية حتى أن زراعه في إنتاجهم ، وعماله بأعمالهم لا يقلون عمن ذكر من خدام المدينة.
وهنا أستعرض بعض النصوص التاريخية فأقول :
إن العرب بعد فتح البلاد المجاورة لهم صاروا يقيسون الأقوام والأمم من حيث النسب بمقياس أنسابهم وحاولوا أن يرجعوا الكرد كغيرهم الى قبائل ، بل زادوا أن عدد الكرد من أصل عربي ، وأيدوا عوامل المجاورة والاختلاط بعامل آخر ، وهو العامل النسبي مراعاة لما كان يقول به رجال