بإيجاب العلّة ـ على ما تقدّم (١) ـ وإيجاب العلّة مسبوق بحاجة المعلول ، وحاجة المعلول مسبوقة بإمكانه (٢) ، إذ لو لم يكن ممكنا لكان إمّا واجبا وإمّا ممتنعا ، والوجوب والامتناع مناط الغنى عن العلّة ، فلو كان الحدوث علّة للحاجة والعلّة متقدّمة على معلولها بالضرورة لكان متقدّما على نفسه بمراتب ، وهو محال (٣). فالعلّة هي الإمكان ، إذ لا يسبقها ممّا يصلح للعلّيّة غيره ، والحاجة تدور معه وجودا وعدما.
والحجّة تنفي كون الحدوث ممّا يتوقّف عليه الحاجة بجميع احتمالاته من كون الحدوث علّة وحده ، وكون العلّة هي الإمكان والحدوث جميعا ، وكون الحدوث علّة والإمكان شرطا ، وكون الإمكان علّة والحدوث شرطا ، أو عدم الحدوث مانعا.
وقد استدلّوا على نفي علّيّة الإمكان وحده للحاجة بأنّه لو كانت علّة الحاجة (٤) إلى العلّة هي الإمكان من دون الحدوث جاز أن يوجد القديم الزمانيّ ، وهو الّذي لا يسبقه عدم زمانيّ ، وهو محال ، فإنّه لدوام وجوده لا سبيل للعدم إليه حتّى يحتاج في رفعه إلى علّة تفيض عليه الوجود ، فدوام الوجود يغنيه عن العلّة.
ويدفعه : أنّ موضوع الحاجة هو الماهيّة بما أنّها ممكنة ، دون الماهيّة بما أنّها موجودة ، والماهيّة بوصف الإمكان محفوظة مع الوجود الدّائم ، كما أنّها محفوظة
__________________
(١) في الفصل الخامس من هذه المرحلة.
(٢) قال الحكيم السبزواريّ في بيان السبق والترتيب بينها : «فما لم يعتبر نفس شيئيّة الماهيّة ولم يتقرّر ولم يلاحظ خلوّها بحسب ذاتها عن الوجود والعدم لم يأت الإمكان. وإذا اعتبر الإمكان وأنّ المتساويين ما لم يترجّح أحدهما بمنفصل لم يقع ولوحظ تشبّثها بأحدهما حكم بالحاجة إلى العلّة. وبعد الحاجة إليها وملاحظة كيفيّة التأثير وأنّه بنحو السدّ المسطور حكم بالإيجاب ثمّ بالوجوب ، كترتّب الانكسار على الكسر ، ثمّ بالإيجاد والوجود».
راجع هامش شرح المنظومة (قسم الحكمة) : ٧٦.
(٣) والوجه في استحالته هو الدور ، كما في كشف الفوائد : ٨.
(٤) وفي بعض النسخ : «لو كان علّة الحاجة».