وهو قول أرسطو والأساطين من حكماء الإسلام (١).
هذا ما بلغنا من أقوالهم في ماهيّة الجوهر المسمّى بالجسم (٢). وفي كلّ منها وجه أو وجوه من الضعف نشير إليها بما تيسّر.
أمّا القول الأوّل ـ المنسوب إلى المتكلّمين ـ وهو : أنّ الجسم مركّب من أجزاء لا تتجزّى أصلا ، تمرّ الآلة القطّاعة على فواصل الأجزاء ، وهي متناهية تقبل الإشارة الحسّيّة.
ففيه : أنّ الجزء المفروض إن كان ذا حجم كان له جانب غير جانب بالضرورة فيجري فيه الانقسام العقليّ وإن لم يمكن تقسيمه خارجا ولا وهما لنهاية صغره ، وإن لم يكن له حجم امتنع أن يحصل من اجتماعه مع غيره جسم ذو حجم.
وأيضا ، لنفرض جزءا لا يتجزّى بين جزئين كذلك فإن كان يحجز عن مماسّة الطرفين انقسم فإنّ كلّا من الطرفين يلقى منه غير ما يلقاه الآخر ، وإن لم يحجز عن مماسّتهما استوى وجود الوسط وعدمه. ومثله كلّ وسط مفروض ، فلم يحجب شيء شيئا ، وهو ضروريّ البطلان.
وأيضا لنفرض جزءا لا يتجزّى فوق جزئين كذلك وعلى ملتقاهما ، فإن لقي بكلّه أو ببعضه كلّ كليهما تجزّى ، وإن لقي بكلّه كلّ أحدهما فقط فليس على الملتقى وقد فرض عليه ، وإن لقي بكلّه أو ببعضه من كلّ منهما شيئا انقسم وانقسما جميعا.
وقد أوردوا في بطلان الجزء الّذي لا يتجزّى وجوها من البراهين ، وهي
__________________
(١) وهم أصحاب المعلّم الأوّل ومن يحذو حذوهم من حكماء الإسلام ، كالشيخين : أبي نصر الفارابيّ وأبي علي ابن سينا. راجع الأسفار ٥ : ١٧ ، وشوارق الإلهام : ٢٨٦.
(٢) وفي المقام قول آخر ، هو : أنّ الجسم مؤلّف من محض الأعراض من الألوان والطعوم والروائح وغير ذلك ، وهذا منسوب إلى الحسين النجّار وضرار بن عمرو من المعتزلة. راجع الفرق بين الفرق : ١٥٦ و ١٦٠ ، ومقالات الإسلاميّين ٢ : ٦ ـ ٧ و ١٥ ـ ١٦ ، وتلخيص المحصّل : ١٨٩ ، والتبصير في الدين : ١٠١ و ١٠٥. وتعرّض له في الأسفار ٥ : ٦٧.