الإراديّة (١). وليس هو القدرة على الفعل ، لأنّ نسبة القدرة إلى الفعل والترك متساوية ولا نسبة للخلق إلّا إلى الفعل (٢). وليس المراد به هو الفعل ، وإن كان ربّما يطلق عليه ، لأنّه الأمر الراسخ الّذي يبتني عليه الفعل وللخلق انشعابات كثيرة تكاد لا تحصى الشّعب الحاصلة منها ، لكنّ اصول الأخلاق الإنسانيّة نظرا إلى القوى الباعثة للإنسان نحو الفعل ثلاثة ، وهي : قوى الشهوة الباعثة له إلى جذب الخير والنافع الّذي يلائمه ، وقوى الغضب الباعثة له إلى دفع الشرّ والضارّ ، والعقل الذيّ يهديه إلى الخير والسعادة ويزجره عن الشرّ والشقاء.
فالملكة العاملة في المشتهيات إن لازمت الاعتدال بفعل ما ينبغي كما ينبغي سمّيت : «عفّة». وإن انحرفت إلى حدّ الإفراط سمّيت : «شرها». وإن نزلت إلى التفريط سمّيت : «خمودا».
وكذلك الملكة المرتبطة بالغضب لها إعتدال تسمّى : «شجاعة» وطرفا إفراط
__________________
ـ هيئة راسخة في النفس ، ومعلوم أنّ الأفعال لا تصدر عنها ، وهي صفة من صفات النفس ، بل صدور الأفعال عن النفس بسهولة يبتني عليها.
والأصحّ من تعريف المشهور بل الصحيح أن يقال : الخلق هو الملكة الّتي تصدر بها الأفعال الإراديّ عن النفس بسهولة من غير رويّة كالشجاعة والسخاء وغيرهما.
والوجه في كونه أصحّ أنّ صدور الأفعال عن النفس ليس يبتني على حصول الملكة النفسانيّة ابتناءا تامّا ، بحيث يلزم منه صدور الأفعال عن النفس بمجرّد حصول تلك الصفة لها ، بل يصدر الأفعال عنها إذا اريدت تلك الأفعال. كما قال صدر المتألّهين في الأسفار ٤ : ١١٥ : «وليس الخلق أيضا يلزمه المبدئيّة للفعل ، بل كونه بحيث إذا اريد الفعل يصدر بلا صعوبة ورويّة».
(١) وعليه لا يطلق الخلق إلّا على الهيئات الراسخة في النفوس الإنسانيّة.
(٢) قال شارح المقاصد : «فغير الراسخ من صفات النفس لا يكون خلقا كغضب الحليم ، وكذا الراسخ الّذي يكون مبدأ لأفعال الجوارح بسهولة كملكة الكتابة ، أو يكون نسبته إلى الفعل والترك على السواء كالقدرة ، أو يفتقر في صدور الفعل عنها إلى فكر ورويّة كالبخيل إذا حاول الكرم وكالكريم إذا قصد بالعطاء الشهرة. ولمّا كانت القدرة تصدر عنها الفعل لا بسهولة واستغناء عن رويّة وكان نسبتها إلى طرفي الفعل والترك على السويّة حكم بأنّها تضادّ الخلق مضادّة مشهورة». راجع شرح المقاصد ١ : ٢٤٤.