واللذّة على أيّ حال (١) وجوديّة ، والألم عدميّ. يقابلها تقابل العدم والملكة (٢).
لا يقال (٣) : لا ريب في أنّ الألم شرّ بالذات ، وإذ كان هو إدراك المنافي بما أنّه مناف كان أمرا وجوديّا ، لأنّ الإدراك أمر وجوديّ ، وبهذا ينفسخ قولهم : «إنّ الشرّ عدم لا غير».
لأنّه يقال (٤) : وجود كلّ شيء هو نفس ذلك الشيء ، ذهنيّا كان أو خارجيّا ، فحضور أيّ أمر عدميّ عند المدرك هو نفس ذلك الأمر العدميّ ، لاتّحاد الوجود والماهيّة والعلم والمعلوم ، فالألم الموجود في ظرف الإدراك مصداق للألم ، وهو بعينه الألم العدميّ الّذي هو شرّ بالذات.
تنبيه :
ما مرّ من القول في الكيف وأحكامه وخواصّه هو المأثور من الحكماء المتقدّمين. وللمتأخّرين من علماء الطبيعة خوض عميق فيما عدّه المتقدّمون من الكيف ، عثروا فيه على أحكام وآثار جمّة ينبغي للباحث المتدبّر أن يراجعها ويراعي جانبها في البحث.
__________________
(١) أي : سواء كانت لذّة حسّيّة أو خياليّة أو عقليّة.
(٢) قال بعض الأساتيذ من تلامذة المصنّف رحمهالله : «اللذّة والألم ـ سواء كانا من قبيل الإدراك أو كانا نوعين آخرين من الكيف النفسانيّ ـ أمران وجوديّان يتعاقبان على النفس ، فينطبق عليهما حدّ الضدّين ، ويكون تقابلهما تقابل التضادّ ، لا تقابل العدم والملكة». ثمّ قال : «لكن لكلامه تأويل آخر. وهو أنّ اعتبار الألم عدميّا يكون بالنظر إلى حضور أمر عدميّ للنفس ، فيكون علما حضوريّا به. ويلاحظ عليه : أنّ الأمر العدميّ بما أنّه عدميّ ليس له حضور للنفس ، وإنّما الحضور يكون لموضوعه الوجوديّ ، مضافا إلى أنّ الألم ليس نفس العلم ، بل هو كيفيّة وجوديّة علميّة». تعليقة على نهاية الحكمة : ١٨٢ ـ ١٨٣.
(٣) هذا الإشكال أورده الفخر الرازيّ على الشيخ الرئيس في شرحه للإشارات ، فراجع شرحي الإشارات ٢ : ٨٨ ـ ٨٩. وتعرّض له صدر المتألّهين في الأسفار ٤ : ١٢٦ ، و ٧ : ٦٣ ، والحكيم السبزواريّ في شرح الأسماء الحسنى : ٢٥٣.
(٤) والقائل هو صدر المتألّهين في الأسفار ٤ : ١٢٦ ، و ٧ : ٦٣ ـ ٦٦. وقد بسط الكلام في الإشكال المذكور والجواب عنه الحكيم السبزواريّ في شرح الأسماء الحسنى : ٢٥٣ ـ ٢٥٨.