قد تقدّم (١) أنّ من عوارض الكثرة الغيريّة. وتنقسم الغيريّة إلى ذاتيّة وغير ذاتيّة.
فالغيريّة الذاتيّة ، هي : أن يدفع أحد شيئين الآخر بذاته ، فلا يجتمعان لذاتيهما ، كالمغايرة بين الوجود والعدم ، وتسمّى : «تقابلا».
وقد عرّفوا التقابل ب «أنّه امتناع اجتماع شيئين في محلّ واحد من جهة واحدة في زمان واحد» (٢). ونسبة امتناع الاجتماع إلى شيئين للدلالة على كونه لذاتيهما. والمراد بالمحلّ الواحد مطلق الموضوع ، ولو بحسب فرض العقل ، حتّى يشمل تقابل الإيجاب والسلب ، حيث إنّ متن القضيّة كالموضوع لهما. وتقييد التعريف ب «جهة واحدة» لإخراج ما اجتمع منهما في شيء واحد من جهتين ، ككون زيد أبا لعمرو وابنا لبكر (٣). والتقييد ب «وحدة الزمان» ليشمل
__________________
ـ والتماثل خارج عن تعريف التقابل ، لأنّ التخالف الّذي كان مقسما للتقابل قسيم للتماثل.
(١) في الفصل السابق.
(٢) المباحث المشرقيّة ١ : ٩٩ ، وشرح المواقف : ١٦٤ ، والمطارحات : ٣١٣.
(٣) وقال في الأسفار ٢ : ١٠٢ : «(ودخل بقيد وحدة الحمل) مثل التقابل الّذي بين السواد والبياض ممّا يمكن اجتماعهما في الوجود ، كسواد الحبشيّ وبياض الروميّ. وبقيد (وحدة الجهة) مثل التقابل الّذي بين الابوّة والبنوّة ممّا يمكن اجتماعهما في محلّ واحد باعتبار جهتين».
وقال الحكيم السبزواريّ : «وبقيد وحدة الجهة دخل مثل تقابل الابوّة والبنوّة المجتمعتين في واحد من جهتين». شرح المنظومة : ١١٦.
وأمّا المصنّف رحمهالله في المقام قال : «وتقييد التعريف ب «جهة الوحدة» لإخراج ما اجتمع منهما في شيء واحد من جهتين ، ككون زيد أبا لعمرو وابنا لبكر».
والجمع بين كون قيد وحدة الجهة لإدخال مثل تقابل الابوّة والبنوّة وكونه لإخراجه أن يقال : إنّ بقيد «وحدة الجهة» يدخل الابوّة والبنوّة المطلقتان في التعريف ، فإنّ اجتماعهما في ذات واحدة ممتنع. ويخرج الابوّة والبنوّة المقيّدتان كابوّة زيد وبنوّته الموجودتين فيه ، إحداهما بالقياس إلى ابنه ، والاخرى بالقياس إلى أبيه ، فيكون اجتماعهما من جهتين مختلفتين ، ولا تقابل بينهما.
فلا تنافي بين ما ذكره صدر المتألّهين والحكيم السبزواريّ وبين ما ذكره المصنّف رحمهالله ـ