ويظهر أيضا أنّ الوجود لا ضدّ له (١) ، لأنّ الضدّين ـ كما سيأتي (٢) ـ أمران وجوديّان متعاقبان على موضوع واحد ، داخلان تحت جنس قريب ، بينهما غاية الخلاف ؛ والوجود لا موضوع له ولا جنس له ولا له خلاف مع شيء.
وثالثا : أنّ الوجود لا يكون جزءا لشيء ، لأنّ الجزء الآخر والكلّ المركّب منهما إن كانا هما الوجود بعينه فلا معنى لكون الشيء جزءا لنفسه ، وإن كان أحدهما أو كلاهما غير الوجود كان باطل الذات ، إذ لا أصيل غير الوجود ، فلا تركيب (٣).
وبهذا البيان يثبت أنّ الوجود لا جزء له (٤) ، ويتبيّن أيضا أنّ الوجود بسيط في ذاته.
ورابعا : أنّ ما يلحق الوجود حقيقة (٥) من الصفات والمحمولات (٦) امور غير خارجة عن ذاته (٧) ، إذ لو كانت خارجة كانت باطلة.
وخامسا : أنّ للموجود من حيث اتّصافه بالوجود نحو انقسام إلى ما بالذات وما بالعرض ، فالوجود موجود بالذات ـ بمعنى أنّه عين نفسه ـ والماهيّة موجودة بالعرض ـ أي أنّها ليست [متّصفة] بالوجود بالنظر إلى نفس ذاتها وإن كانت موجودة بالوجود حقيقة قبال ما ليس بموجود بالوجود (٨) ـ.
__________________
(١) راجع كشف المراد : ٣٠ ، وشوارق الإلهام : ٥٤ ، والأسفار ١ : ٣٤٣ ، وشرح المنظومة : ٤١ ـ ٤٢.
(٢) في الفصل التاسع من المرحلة السابعة.
(٣) قال المصنّف قدسسره في بداية الحكمة : ١٩ : «وما قيل : (إنّ كلّ ممكن زوج تركيبيّ من ماهيّة ووجود) فاعتبار عقليّ ...».
(٤) راجع بداية الحكمة : ١٩.
(٥) أي : ما اسند إلى الوجود إسناد الشيء إلى ما هو له.
(٦) كالعينيّة والشيئيّة والعلّيّة والمعلوليّة وغيرها.
(٧) غاية الأمر كانت الحقيقة الواحدة مصداقا للوحدة ـ مثلا ـ باعتبار ، ومصداقا للعلّة باعتبار آخر ، ومصداقا للمعلول باعتبار ثالث ، وهكذا.
(٨) فالماهيّة موجودة مجازا وبالعرض بالدقّة الفلسفيّة ، وموجودة حقيقة عند العرف وبالنظر المسامحيّ.