وذلك هو المطلوب.
ويتبيّن بما مرّ أنّ وجود الأعراض من شؤون وجود الجواهر الّتي هي موضوعاتها ، وكذلك وجود الصور المنطبعة غير مباين لوجود موادّها.
ويتبيّن به أيضا أنّ المفاهيم المنتزعة عن الوجودات الناعتة الّتي هي أوصاف لموضوعاتها ليست بماهيّات لها ولا لموضوعاتها ؛ وذلك لأنّ المفهوم المنتزع عن وجود إنّما يكون ماهيّة له إذا كان الوجود المنتزع عنه يطرد عن نفسه العدم ، والوجود الناعت يطرد العدم لا عن نفس المفهوم المنتزع عنه ، مثلا وجود السواد في نفسه يطرد العدم عن نفس السواد ، فالسواد ماهيّته ، وأمّا هذا الوجود من حيث جعله الجسم أسود فليس يطرد عدما (١) ، لا عن السواد في نفسه (٢) ، ولا عن ماهيّة الجسم المنعوت به ، بل عن صفة يتّصف بها الجسم خارجة عن ذاته.
__________________
ـ والفرق بين الأقسام الأربعة في أنّ المطرود بكلّ منها غير المطرود بالآخر.
أمّا الوجود في غيره «الوجود الرابط» فهو يطرد العدم عن اتّحاد طرفيه ، ولا يطرد العدم عن ماهيّته ، لأنّه لا ماهيّة له ، حيث لا مفهوم له مستقلّا بالمفهوميّة.
وأمّا الوجود في نفسه «الوجود المحموليّ» فهو يطرد العدم عن ماهيّة من الماهيّات الّتي كانت معدومة.
والوجود في نفسه إمّا يطرد العدم عن ماهيّة نفسه فحسب ، وهو الوجود لنفسه كوجود الإنسان ، فإنّه يطرد العدم عن ماهيّته ويوجب اتّصاف ماهيّته المعدومة بالوجود ؛ وإمّا في عين أنّه يطرد العدم عن ماهيّة نفسه ، يطرد العدم عن نقص شيء آخر ، لا عن ماهيّة ذلك الشيء ، وهو الوجود لغيره ، ويسمّى أيضا : «الوجود الرابطيّ» أو «الوجود الناعتيّ». فالوجود الرابطيّ يكون وجودا في نفسه من حيث يطرد العدم عن ماهيّة نفسه ، ويكون وجودا لغيره من حيث يطرد بنفس وجوده الّذي يطرد العدم عن ماهيّة نفسه العدم عن نقص محلّ ، بمعنى أنّ تحقّق الوجود الرابطيّ ليس إلّا كمال محلّ ، لأنّه يطرد العدم عن نقص ذاك المحلّ ، لا أنّه يطرد العدم عن نفس ماهيّة ذلك المحلّ ، كالعلم ، فإنّه بوجوده يطرد العدم عن ماهيّة العلم الّتي كانت معدومة قبل وجودها ، وهو بعينه يطرد العدم عن وصف عالميّة الإنسان ، لا أنّه يطرد العدم عن نفس ماهيّة الإنسان ، وبعبارة اخرى : هو بعينه يطرد العدم عن كمال الإنسان ، وهو علمه ، لا عن نفس ماهيّة الإنسان حتّى يلزم أن تكون لموجود واحد ماهيّتان.
(١) أي : لا يطرد عدما عن ماهيّته.
(٢) أي : لا عن ماهيّة السواد.