وهذه جميعا تعريفات لفظيّة من قبيل شرح الاسم المفيد للتنبيه ، وليست بتعريفات حقيقيّة (١) ، لأنّ الضرورة واللاضرورة من المعاني البيّنة البديهيّة الّتي ترتسم في النفس ارتساما أوّليّا تعرف بنفسها ويعرف بها غيرها. ولذلك من حاول أن يعرّفها تعريفا حقيقيّا أتى بتعريفات دوريّة ، كتعريف الممكن ب «ما ليس بممتنع» (٢) ، وتعريف الواجب ب «ما يلزم من فرض عدمه محال» أو «ما فرض عدمه محال» (٣) ، وتعريف المحال ب «ما يجب أن لا يكون» إلى غير ذلك.
والّذي يقع البحث عنه في هذا الفنّ ـ الباحث عن الموجود بما هو موجود ـ بالقصد الأوّل من هذه الموادّ الثلاث هو الوجوب والإمكان ـ كما تقدّمت الإشارة إليه (٤) ـ وهما وصفان ينقسم بهما الموجود من حيث نسبة وجوده إليه انقساما أوّليّا.
وبذلك يندفع ما اورد على كون الإمكان وصفا ثابتا للممكن (٥) يحاذي الوجوب الّذي هو وصف ثابت للواجب. تقريره : أنّ الإمكان ـ كما تحصّل من التقسيم السابق ـ سلب ضرورة الوجود وسلب ضرورة العدم ، فهما سلبان اثنان ، وإن عبّر عنهما بنحو قولهم : «سلب الضرورتين» فكيف يكون صفة واحدة ناعتة للممكن (٦)؟! سلّمنا أنّه يرجع إلى سلب الضرورتين وأنّه سلب واحد ، لكنّه
__________________
ـ للشيء بنفسه ، وبطلانه واضح.
(١) ونبّه عليه أكثر المحقّقين ، فراجع الفصل الخامس من المقالة الاولى من إلهيّات الشفاء ، والأسفار ١ : ٨٣ ، والتحصيل : ٢٩١ ، وشرح المواقف : ١٢٨ ، وشرح المقاصد ١ : ١١٤ ، والمباحث المشرقيّة ١ : ١١٣ ، وشرح التجريد للقوشجيّ : ٢٩ ، وشوارق الإلهام : ٨٦ ، وشرح المنظومة : ٦٣ ، وكشف المراد : ٤٢.
(٢) قال الشيخ الإشراقيّ : «والعامّة قد يعنون بالممكن ما ليس بممتنع» راجع شرح حكمة الإشراق : ٧٨
(٣) هكذا عرّفه الشيخ الرئيس في النجاة : ٢٢٤.
(٤) في صدر هذه المرحلة.
(٥) فالدعوى أنّ الإمكان وصف للممكن ، وهذا الوصف واحد أوّلا وثبوتيّ ثانيا ، كما أنّ الوجوب وصف واحد ثبوتيّ للواجب تعالى.
(٦) أي : هنا ايراد على الشقّ الأوّل من الدعوى ، وهو كون الإمكان وصفا. وحاصله : أنّ الإمكان يرجع إلى وصفين للممكن : (أحدهما) سلب ضرورة الوجوب. و (ثانيهما) سلب ـ