الواجب بالذات ، دون هذا ، لاتّصاف المفارقات النوريّة به ، إذ لو كانت للمفارق حالة منتظرة كماليّة يمكن حصولها فيه لاستلزم تحقّق الإمكان الاستعداديّ فيه والانفعال عن عالم الحركة والأوضاع الجرمانيّة ، وذلك يوجب تجسّمه وتكدّره ، مع كونه مجرّدا نوريّا ، هذا خلف» (١) انتهى.
والحجّة فيه (٢) : أنّه لو كان للواجب بالذات المنزّه عن الماهيّة بالنسبة إلى صفة كماليّة من الكمالات الوجوديّة جهة إمكانيّة كانت ذاته في ذاته فاقدة لها ، مستقرّا فيها عدمها (٣) ، فكانت مركّبة من وجود وعدم ، ولازمه تركّب الذات (٤) ، ولازم التركّب الحاجة (٥) ، ولازم الحاجة الإمكان ، والمفروض وجوبه ، وهذا خلف.
حجّة اخرى (٦) : إنّ ذات الواجب بالذات لو لم تكن كافية في وجوب شيء من الصفات الكماليّة (٧) الّتي يمكن أن تتّصف بها كانت محتاجة فيه إلى الغير ، وحينئذ لو اعتبرنا الذات الواجبة بالذات في نفسها ـ مع قطع النظر عن ذلك الغير وجودا وعدما ـ فإن كانت واجبة مع وجود تلك الصفة لغت علّيّة ذلك الغير ، وقد فرض علّة ، هذا خلف ، وإن كانت واجبة مع عدم تلك الصفة لزم الخلف أيضا.
واورد عليها (٨) أنّ عدم اعتبار العلّة بحسب اعتبار العقل لا ينافي تحقّقها في نفس الأمر ، كما أنّ اعتبار الماهيّة من حيث هي هي وخلوّها ـ بحسب هذا
__________________
ـ الواجب واجبا من جميع الجهات : «أي ليست له حالة منتظرة غير حاصلة».
(١) راجع الأسفار ١ : ١٢٢.
(٢) أقامها صدر المتألّهين في الأسفار ١ : ١٢٣.
(٣) لا يخفى أنّ المراد أنّه ليس في ذاتها تلك الصفة. والتعبير باستقرار عدمها فيها إنّما هو من ضيق التعبير ، ضرورة أنّ استقرار شيء في شيء فرع ثبوت المستقرّ والمستقرّ فيه ، والعدم نقيض الوجود ولا ثبوت له أصلا.
(٤) والمراد تركّبها بحسب التحليل العقليّ ، لا التركّب الخارجيّ.
(٥) أي : الحاجة إلى العلّة.
(٦) احتجّ بها أثير الدين الأبهريّ في الهداية الأثيريّة ، فراجع شرح الهداية الأثيريّة لصدر المتألّهين : ٢٩٤. وتعرّض لها أيضا صدر المتألّهين في الأسفار ١ : ١٢٣.
(٧) ولا يخفى أنّه في الهداية والأسفار استدلّ بها على وجوب الصفات من دون أن تقيّد بالكماليّة.
(٨) تعرّض له صدر المتألّهين في الأسفار ١ : ١٢٤ ـ ١٢٥.