فقال للحسين : جعلت فداك! أين تريد؟ قال : أما الآن فانّى أريد مكة ، وأما بعدها فانّى أستخير الله ، قال : خار الله لك ، وجعلنا فداك ، فإذا أنت أتيت مكّة فإيّاك أن تقرب الكوفة ، فانّها بلدة مشئومة ، بها قتل أبوك ، وخذل أخوك ، واغتيل بطعنة كادت تأتى على نفسه. الزم الحرم فانّك سيّد العرب ، لا يعدل بك والله أهل الحجاز أحدا ، ويتداعى إليك الناس من كلّ جانب ؛ لا تفارق الحرم فداك عمّى وخالى ؛ فو الله ، لئن هلكت لنسترقنّ بعدك.
فأقبل نزل حتّى مكّة ، فأقبل أهلها يختلفون إليه ويأتونه ، ومن كان بها من المعتمرين وأهل الآفاق ، وابن الزبير بها قد لزم الكعبة فهو قائم يصلّى عندها عامة النهار ويطوف ، ويأتى حسينا فيمن يأتيه ، فيأتيه اليومين المتواليين ، ويأتيه بين كلّ يومين مرّة ، ولا يزال يشير عليه بالرأى وهو أثقل خلق الله على ابن الزبير ، قد عرف أنّ أهل الحجاز لا يبايعونه ولا يتابعونه ، أبدا ما دام حسين بالبلد ، وأنّ حسينا أعظم فى أعينهم وأنفسهم منه ، وأطوع فى الناس منه (١).
٨ ـ عنه قال أبو مخنف : فحدّثنى الحجّاج بن على ، عن محمّد بن بشر الهمدانيّ ، قال : اجتمعت الشيعة فى منزل سليمان بن صرد ، فذكرنا هلاك معاوية ، فحمدنا الله عليه ، فقال لنا سليمان بن صرد : إنّ معاوية قد هلك ، وإنّ حسينا قد تقبض على القوم ببيعته ، وقد خرج الى مكّة ، وأنتم شيعته وشيعة أبيه ، فان كنتم تعلمون أنّكم ناصروه ومجاهدو عدوّه فاكتبوا إليه ، وإن خفتم الوهل والفشل فلا تغرّوا الرجل من نفسه ، قالوا : لا ، بل نقاتل عدوّه ونقتل أنفسنا دونه ؛ قال : فاكتبوا إليه.
فكتبوا إليه : بسم الله الرّحمن الرّحيم لحسين بن علىّ من سليمان بن صرد ، والمسيّب بن نجبة ، ورفاعة بن شدّاد ، وحبيب بن مظاهر ، وشيعته من المؤمنين والمسلمين من أهل الكوفة. سلام عليك ، فانا نحمد إليك الله الّذي لا إله إلّا هو ، أمّا بعد ، فالحمد لله الّذي قصم عدوّك الجبّار العنيد الّذي انتزى على هذه الامّة فابتزّها
__________________
(١) تاريخ الطبرى : ٥ / ٣٥١.