أهل الحجاز إلى بيعتك أجبناك ، وكنا إليك سراعا ، وكنت أحقّ بذلك من يزيد ، ودخل أبو بكر بن الحارث بن هشام على الحسين ، فقال : يا ابن عمّ ، إنّ الرحم يظائرنى عليك ، ولا أدرى كيف أنا فى النصيحة لك ، فقال : يا أبا بكر ما أنت ممّن يستغش ولا يتّهم ، فقل.
فقال أبو بكر : كان أبوك أقدم سابقة ، وأحسن فى الاسلام أثرا ، وأشدّ بأسا ، والناس له أرجى ، ومنه أسمع وعليه أجمع ، فسار إلى معاوية والناس مجتمعون عليه الا أهل الشام وهو أعزّ منه ، فخذلوه ، وتثاقلوا عنه ، حرصا على الدنيا ، وضنا بها ، فجرّعوه الغيظ ، وخالفوه حتّى صار الى ما صار إليه من كرامة الله ورضوانه ، ثمّ صنعوا بأخيك بعد أبيك ما صنعوا ، وقد شهدت ذلك كلّه ورأيته.
ثمّ أنت تريد أن تسير الى اللذين عدوا على أبيك وأخيك تقاتل بهم أهل الشام وأهل العراق ، ومن هو أعدّ منك وأقوى ، والناس منه أخوف ، وله أرجى ، فلو بلغهم مسيرك إليهم لاستطغوا الناس بالأموال ، وهم عبيد الدنيا ، فيقاتلك من وعدك أن ينصرك ، ويخذلك من أنت أحبّ إليه ممن ينصره ، فاذكر الله فى نفسك.
فقال الحسين : جزاك الله خيرا يا ابن عمّ ، فقد أجهدك رأيك ، ومهما يقض الله يكن ، فقال : إنّا لله وعند الله نحتسب يا أبا عبد الله ، ثمّ دخل على الحارث بن خالد بن العاص بن هشام المخزومى والى مكة وهو يقول :
كم نرى ناصحا يقول فيعصى |
|
وظنين المغيب يلفى نصيحا |
فقال : وما ذاك؟ فأخبره بما قال للحسين ، فقال : نصحت له وربّ الكعبة (١).
١٦ ـ قال سبط ابن الجوزى قال السدى : خرج الحسين من المدينة وهو يقرأ فخرج منها خائفا يترقّب فلمّا دخل مكّة فقال له عمرو بن سعيد : ما أقدمك ، فقال
__________________
(١) مروج الذهب : ٣ / ٦٤.