الموت خير من ركوب العار |
|
والعار خير من دخول النّار |
والله من هذا وهذا جارى (١)
١١٢ ـ قال محمّد بن سعد : عطش الحسين فاستسقى ـ وليس معهم ماء ـ فجاءه رجل بماء فتناوله ليشرب فرماه حصين بن تميم بسهم فوقع فى فيه فجعل يتلقى الدم بيده ويحمد الله. وتوجّه نحو المسناة يريد الفرات ، فقال رجل من بنى ابان بن دارم : حولوا بينه وبين الماء ، فعرضوا فحالوا بينه وبين الماء وهو أمامهم ، فقال حسين : اللهم أظمئه. ورماه الأبان بسهم فأثبته فى حنكه ، فانتزع السهم وتلقّى الدم فملأ كفّه ، وقال : اللهم انّى أشكو إليك ما فعل هؤلاء.
فما لبث الأبان إلّا قليلا حتى رئى وانّه ليؤتى بالقلّة أو العسّ ان كان ليروى عدّة فيشربه فإذا نزعه عن فيه قال : اسقونى فقد قتلنى العطش! فما زال بذلك حتى مات. وجاء شمر بن ذى الجوشن فحال بين الحسين وبين رحله فقال الحسين : رحلى لكم عن ساعة مباح فامنعوه من جهالكم وطغامكم ، وكونوا فى دنياكم أحرارا إذا لم يكن لكم دين. فقال شمر : ذلك لك يا ابن فاطمة. قال : فلمّا قتل أصحابه وأهل بيته بقى الحسين عامة النهار لا يقدم عليه أحد إلّا انصرف حتى أحاطت به الرّجالة ، فما رأينا مكثورا قطّ أربط جأشا منه ، ان كان ليقاتلهم قتال الفارس الشجاع ، وان كان ليشدّ عليهم فينكشفون عنه انكشاف المعزى شدّ فيها الأسد.
فمكث مليّا من النهار والناس يتدافعونه ويكرهون الإقدام عليه ، فصاح بهم شمر بن ذى الجوشن : ثكلتكم امهاتكم! ما ذا تنتظرون به ، أقدموا عليه. فكان أوّل من انتهى إليه زرعة بن شريك التميمى فضرب كتفه اليسرى وضربه حسين على عاتقه فصرعه ، وبرز له سنان بن أنس النخعي فطعنه فى ترقوته ، ثم انتزع الرمح فطعنه فى بوانى صدره ، فخرّ الحسين صريعا ثم نزل إليه ليحتزّ رأسه ونزل معه
__________________
(١) البيان والتبيين : ٣ / ٢٧٨.