ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور. قال : فارتفعت الأصوات بالبكاء وقالوا : حسبك يا بنت الطّيّبين! فقد أحرقت قلوبنا ، وأنضجت نحورنا ، وأضرمت أجوافنا ، فسكتت عليها وعلى أبيها وجدها السلام (١).
١٧ ـ عنه باسناده عن خديم بن شريك الأسدي قال : لما أتى على بن الحسين زين العابدين بالنسوة من كربلاء وكان مريضا ، واذا نساء اهل الكوفة ينتدبن مشققات الجيوب والرجال معهن يبكون ، فقال زين العابدين عليهالسلام ـ بصوت ضئيل وقد نهكته العلة ـ ان هؤلاء يبكون علينا فمن قتلنا غيرهم ، فأومأت زينب بنت على بن أبى طالب عليهماالسلام الى الناس بالسكوت.
قال حذيم الأسدي : لم أر والله خفرة قط انطق منها ، كأنها تنطق وتفرغ على لسان على عليهالسلام ، وقد أشارت الى الناس بان انصتوا فارتدّت الانفاس ، وسكنت الأجراس ، ثم قالت ـ بعد حمد الله تعالى والصلاة على رسوله صلىاللهعليهوآله ـ : أمّا بعد يا أهل الكوفة ، يا أهل الختل والغدر ، والخذل أفلا رقأت العبرة ولا هدأت الزفرة ، انما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا تتخذون أيمانكم دخلا بينكم هل فيكم إلّا الصلف والعجب ، والشنف ، والكذب ، وملق الاماء وغمز الأعداء أو كمرعى على دمنة أو كفضة على ملحودة ألا بئس ما قدمت لكم أنفسكم ان سخط الله عليكم وفى العذاب انتم خالدون.
أتبكون اخى؟ أجل والله فابكوا فانكم أحرى بالبكاء فابكوا كثيرا واضحكوا قليلا ، فقد أبليتم بعارها ، ومنيتم بشنارها ولن ترحضوها أبدا وأنى ترحضون قتل سليل خاتم النبوة ومعدن الرسالة ، وسيد شباب أهل الجنة ، وملاذ حربكم ، ومعاذ حزبكم ومقر سلمكم ، وآسى كلمكم ومفزع نازلتكم ، والمرجع إليه عند مقاتلتكم ومدرة حججكم ومنار محجتكم ، ألا ساء ما قدمت لكم
__________________
(١) الاحتجاج : ٢ / ٢٧.