لئن عدمت مساعدة أهل العقول وخذلنى عند المصائب جهل العقول فإنّ لى مسعدا من السنن الدارسة والأعلام الطامسة فإنها تندب كندبى وتجد مثل وجدى وكربى ، فلو سمعتم كيف ينوح عليهم لسان حال الصلوات ويحنّ إليهم إنسان الخلوات وتشتاقهم طوية المكارم وترتاح إليهم أندية الأكارم وتبكيهم محاريب المساجد وتناديهم مآريب الفوائد لشجاكم سماع تلك الواعية النازلة وعرفتم تقصيركم فى هذه المصيبة الشاملة.
بل لو رأيتم وحدتى وانكسارى وخلو مجالسى وآثارى ، لرأيتم ما يوجع قلب الصبور ويهيج أحزان الصدور ، لقد شمت بى من كان يحسدنى من الديار وظفرت بى أكف الأخطار ، فيا شوقاه الى منزل سكنوه ومنهل أقاموا عنده واستوطنوه ليتنى كنت إنسانا أفديهم حزّ السيوف وادفع عنهم حرّ الحتوف وأشفى غيظى من أهل السنان وأردّ عنهم سهام العدوان ، وهلا اذا فاتنى شرف تلك المواساة الواجبة ، كنت محلا لضمّ جسومهم الشاحبة واهلا لحفظ شمائلهم من البلى ، ومصونا من لوعة هذا الهجر والقلى.
فآه ثم آه لو كنت مخطا لتلك الأجساد ومحطّا لنفوس أولئك الأجواد ، لبذلت فى حفظها غاية المجهود ، ووفيت لها بقديم العهود ، وقضيت لها بعض الحقوق الأوائل ووقيتها من وقع الجنادل ، وخدمتها خدمة العبد المطيع ، وبذلت لها جهد المستطيع فرشت لتلك الخدود والأوصال فراش الإكرام والاجلال ، وكنت أبلغ منيتى من اعتناقها وأنور ظلمتى باشراقها.
فيا شوقاه الى تلك الأمانى ، ويا قلقاه لغيبة أهلى وسكانى ، فكلّ حنين يقصر عن حنينى ، وكل دواء غيرهم لا يشفينى ، وها أنا قد لبست لفقدهم أثواب الأحزان ، وأنست بعدهم بجلبات الأشجان ، وآيست ان يلم فى التجلد والصبر وقلت يا سلوة الأيام موعدك الحشر ، ولقد أحسن ابن قتيبة رحمهالله تعالى وقد