٥ ـ قال الطبرى : قال أبو مخنف : عن أبى جناب الكلبى ، عن عدى بن حرملة ، قال : ثمّ انّ الحرّ بن يزيد لما زحف عمر بن سعد ، قال له : أصلحك الله! أمقاتل أنت هذا الرجل؟ قال : إى والله قتالا أيسره أن تسقط الرءوس وتطيح الأيدى قال : أفما لكم فى واحدة من الخصال الّتي عرض عليكم رضا؟ قال عمر بن سعد ، أما والله لو كان الأمر إلىّ لفعلت ، ولكنّ أميرك قد أبى ذلك ، قال : فأقبل حتّى وقف من الناس موقفا ، ومعه رجل من قومه يقال له قرّة بن قيس.
فقال : يا قرّة ، هل سقيت فرسك اليوم؟ قال : لا ، قال : إنّما تريد أن تسقيه؟ قال : فظننت والله أنه يريد أن يتنحّى فلا يشهد القتال ، وكره أن أراه حين يصنع ذلك ، فيخاف أن أرفعه عليه ، فقلت له : لم اسقه ، وأنا منطلق فساقيه ، قال : فاعتزلت ذلك المكان الذي ، كان فيه ، قال : فو الله لو أنّه اطلعني على الّذي يريد لخرجت معه إلى الحسين ، قال : فأخذ يدنو من حسين قليلا قليلا.
فقال له رجل من قومه يقال له المهاجر بن أوس : ما تريد يا ابن يزيد؟ أتريد أن تحمل؟ فسكت وأخذه مثل العرواء ، فقال له يا ابن يزيد ، والله إنّ أمرك لمريب ، والله ما رأيت منك فى موقف قطّ مثل شيء أراه الآن ، ولو قيل لى : من أشجع أهل الكوفة رجلا ما عدوتك ، فما هذا الّذي أرى منك! قال : إنّى والله أخير نفسى بين الجنّة والنار ، وو الله لا أختار على الجنّة شيئا ولو قطّعت وحرّقت ، ثمّ ضرب فرسه فلحق بحسين عليهالسلام.
فقال له : جعلنى الله فداك يا ابن رسول الله! أنا صاحبك الذي حبستك عن الرجوع ، وسائرك فى الطريق ، وجعجعت بك فى هذا المكان ، والله الّذي لا إله إلّا هو ما ظننت أنّ القوم يردّون عليك ما عرضت عليهم أبدا ، ولا يبلغون منك هذه المنزلة ، فقلت فى نفسى : لا أبالى أن أطيع القوم فى بعض أمرهم ، ولا يرون أنى خرجت من طاعتهم ، وأما هم فيقبلون من حسين هذه الخصال التي يعرض عليهم.