والتبكيت (لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) من العقلاء وغيرهم أى لمن الكائنات جميعا خلقا وملكا* وتصرفا وقوله تعالى (قُلْ لِلَّهِ) تقرير لهم وتنبيه على أنه المتعين للجواب بالاتفاق بحيث لا يتأتى لأحد* أن يجيب بغيره كما نطق به قوله تعالى (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ) وقوله تعالى (كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) جملة مستقلة داخلة تحت الأمر ناطقة بشمول رحمته الواسعة لجميع الخلق شمول* ملكه وقدرته للكل مسوقة لبيان أنه تعالى رءوف بعباده لا يعجل عليهم بالعقوبة ويقبل منهم التوبة والإنابة وأن ما سبق ذكره وما لحق من أحكام الغضب ليس من مقتضيات ذاته تعالى بل من جهة الخلق كيف لا ومن رحمته أن خلقهم على الفطرة السليمة وهداهم إلى معرفته وتوحيده بنصب الآيات الأنفسية والآفاقية وإرسال الرسل وإنزال الكتب المشحونة بالدعوة إلى موجبات رضوانه والتحذير عن مقتضيات سخطه وقد بدلوا فطرة الله تبديلا وأعرضوا عن الآيات بالمرة وكذبوا بالكتب واستهزءوا بالرسل وما ظلمهم الله ولكن كانوا هم الظالمين ولو لا شمول رحمته لسلك بهؤلاء أيضا مسلك الغابرين ومعنى كتب الرحمة على نفسه أنه تعالى قضاها وأوجبها بطريق التفضل والإحسان على ذاته المقدسة بالذات لا بتوسط شىء أصلا وقيل هو ما روى عن أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال لما قضى الله تعالى الخلق كتب فى كتاب فهو عنده فوق العرش إن رحمتى سبقت غضبى وعنه فى رواية أنه صلىاللهعليهوسلم قال لما قضى الله تعالى الخلق كتب كتابا فهو عنده فوق العرش إن رحمتى غلبت غضبى وعن عمر رضى الله عنه أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال لكعب ما أول شىء ابتدأه الله تعالى من خلقه فقال كعب كتب الله كتابا لم يكتبه بقلم ولا مداد كتابة الزبرجد واللؤلؤ والياقوت إنى أنا الله لا إله إلا أنا سبقت رحمتى غضبى ومعنى سبق الرحمة وغلبتها أنها أقدم تعلقا بالخلق وأكثر وصولا إليهم مع أنها من مقتضيات الذات المفيضة للخير وفى التعبير عن الذات بالنفس حجة على من ادعى أن لفظ النفس لا يطلق على الله تعالى وإن أريد به الذات إلا مشاكلة لما ترى من انتفاء المشاكلة ههنا بنوعيها وقوله تعالى (لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) جواب قسم محذوف والجملة استئناف مسوق للوعيد على إشراكهم وإغفالهم النظر أى والله ليجمعنكم فى القبور مبعوثين أو محشورين إلى يوم القيامة فيجازيكم على شرككم وسائر معاصيكم وإن أمهلكم بموجب رحمته ولم يعاجلكم بالعقوبة الدنيوية وقيل إلى بمعنى اللام أى ليجمعنكم ليوم القيامة كقوله تعالى إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه وقيل هى بمعنى فى أى ليجمعنكم فى يوم القيامة (لا رَيْبَ فِيهِ) أى* فى اليوم أو فى الجمع وقوله تعالى (الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) أى بتضييع رأس مالهم وهو الفطرة الأصلية* والعقل السليم والاستعداد القريب الحاصل من مشاهدة الرسول صلىاللهعليهوسلم واستماع الوحى وغير ذلك من آثار الرحمة فى موضع النصب أو الرفع على الذم أى أعنى الذين الخ أو هم الذين الخ أو هو مبتدأ والخبر قوله تعالى (فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) والفاء لتضمن المبتدأ معنى الشرط والإشعار بأن عدم إيمانهم بسبب* خسرانهم فإن إبطال العقل باتباع الحواس والوهم والانهماك فى التقليد وإغفال النظر أدى بهم إلى الإصرار على الكفر والامتناع من الإيمان والجملة تذييل مسوق من جهته تعالى لهم لتقبيح حا غير داخل