(وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (١٠) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (١١) قُلْ لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) (١٢)
____________________________________
أو لكونه سببا للبسهم أو لوقوعه فى صحبته بطريق المشاكلة وفيه تأكيد لاستحالة جعل النذير ملكا كأنه قيل لو فعلناه لفعلنا ما لا يليق بشأننا من لبس الأمر عليهم وقد جوز أن يكون للمعنى وللبسنا عليهم حينئذ مثل ما يلبسون على أنفسهم الساعة فى كفرهم بآيات الله البينة (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ) تسلية لرسول الله صلىاللهعليهوسلم عما يلقاه من قومه وفى تصدير الجملة بلام القسم وحرف التحقيق من الاعتناء بها ما لا يخفى وتنوين رسل للتفخيم والتكثير ومن ابتدائية متعلقة بمحذوف وقع صفة لرسل أى وبالله لقد استهزىء برسل أولى شأن خطير وذوى عدد كثير كائنين من زمان قبل زمانك على حذف المضاف وإقامة المضاف* إليه مقامه (فَحاقَ) عقيبه أى أحاط أو نزل أو حل أو نحو ذلك فإن معناه يدور على الشمول واللزوم* ولا يكاد يستعمل إلا فى الشر والحيق ما يشتمل على الإنسان من مكروه فعله وقوله تعالى (بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ) أى استهزؤا بهم من أولئك الرسل عليهمالسلام متعلق بحاق وتقديمه على فاعله الذى هو* قوله تعالى (ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) للمسارعة إلى بيان لحوق الشربهم وما إما موصولة مفيدة للتهويل أى فأحاط بهم الذى كانوا يستهزءون به حيث أهلكوا لأجله وإما مصدرية أى فنزل بهم وبال استهزائهم وتقديم الجار والمجرور على الفعل لرعاية الفواصل (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ) بعد بيان ما فعلت الأمم الخالية وما فعل بهم خوطب رسول الله صلىاللهعليهوسلم بإنذار قومه وتذكيرهم بأحوالهم الفظيعة تحذيرا لهم عما هم عليه وتكملة للتسلية بما فى ضمنه من العدة اللطيفة بأنه سيحيق بهم مثل ما حاق بأضرابهم الأولين* ولقد أنجز ذلك يوم بدر أى إنجاز أى سيروا فى الأرض لتعرف أحوال أولئك الأمم (ثُمَّ انْظُرُوا) أى* تفكروا (كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) وكلمة ثم إما لأن النظر فى آثار الهالكين لا يتسنى إلا بعد انتهاء السير إلى أماكنهم وإما لإبانة ما بينهما من التفاوت فى مراتب الوجوب وهو الأظهر فإن وجوب السير ليس إلا لكونه وسيلة إلى النظر كما يفصح عنه العطف بالفاء فى قوله عزوجل (فَانْظُروا) الآية وأما أن الأمر الأول لإباحة السير للتجارة ونحوها والثانى لإيجاب النظر فى آثارهم وثم لتباعد ما بين الواجب والمباح فلا يناسب المقام وكيف معلقة لفعل النظر ومحل الجملة النصب بنزع الخافض أى تفكروا فى أنهم كيف أهلكوا بعذاب الاستئصال والعاقبة مصدر كالعافية ونظائرها وهى منتهى الأمر ومآله ووضع المكذبين موضع المستهزئين لتحقيق أن مدار إصابة ما أصابهم هو التكذيب لينزجر السامعون عنه لا عن الاستهزاء فقط مع بقاء التكذيب بحاله بناء على توهم أنه المدار فى ذلك (قُلْ) لهم بطريق الإلجاء