(وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ) (٩)
____________________________________
البشرية كضيف إبراهيم ولوط وخصم داود عليهمالسلام وغير ذلك وحيث كان شأنهم كذلك وهم مؤيدون بالقوى القدسية فما ظنك بمن عداهم من العوام فلو شاهدوه كذلك لقضى أمر هلاكهم بالكلية واستحال جعله نذيرا وهو مع كونه خلاف مطلوبهم مستلزم لإخلاء العالم عما عليه يدور نظام الدنيا والآخرة من إرسال الرسل وتأسيس الشرائع وقد قال سبحانه (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) وفيه كما ترى إيذان بأنهم فى ذلك الاقتراح كالباحث عن حتفه بظلفه وأن عدم الإجابة إليه للبقيا عليهم وبناء الفعل الأول فى الجواب للفاعل الذى هو نون العظمة مع كونه فى السؤال مبنيا للمفعول لتهويل الأمر وتربية المهابة وبناء الثانى للمفعول للجرى على سنن الكبرياء وكلمة ثم فى قوله تعالى (ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ) أى* لا يمهلون بعد نزوله طرفة عين فضلا عن أن ينذروا به كما هو المقصود بالإنذار للتنبيه على تفاوت ما بين قضاء الأمر وعدم الإنظار فإن مفاجأة العذاب أشد من نفس العذاب وأشق وقيل فى سبب إهلاكهم أنهم إذا عاينوا الملك قد نزل على رسول الله صلىاللهعليهوسلم فى صورته وهى آية لا شىء أبين منها ثم لم يؤمنوا لم يكن بدمن إهلاكهم وقيل أنهم إذا رأوه يزول الاختيار الذى هو قاعدة التكليف فيجب إهلاكهم وإلى الثانى بقوله تعالى (وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً) على أن الضمير الأول للنذير المفهوم من فحوى الكلام بمعونة المقام وإنما لم يجعل للملك المذكور قبله بأن يعكس ترتيب المفعولين ويقال ولو جعلناه نذيرا لجعلناه رجلا مع فهم المراد منه أيضا لتحقيق أن مناط إبراز الجعل الأول فى معرض الفرض والتقدير ومدار استلزامه للثانى إنما هو ملكية النذير لا نذيرية الملك وذلك لأن الجعل حقه أن يكون مفعوله الأول مبتدأ والثانى خبرا لكونه بمعنى التصيير المنقول من صار الداخل على المبتدأ والخبر ولا ريب فى أن مصب الفائدة ومدار اللزوم بين طرفى الشرطية هو محمول المقدم لا موضوعه فحيث كانت امتناعية أريد بها بيان انتفاء الجعل الأول لاستلزامه المحذور الذى هو الجعل الثانى وجب أن يجعل مدار الاستلزام فى الأول مفعولا ثانيا لا محالة ولذلك جعل مقابله فى الجعل الثانى كذلك إبانة لكمال التنافى بينهما الموجب لانتفاء الملزوم والضمير الثانى للملك لا لما رجع إليه الأول والمعنى لو جعلنا النذير الذى اقترحوه ملكا لمثلنا ذلك الملك رجلا لما مر من عدم استطاعة الآحاد لمعاينة الملك على هيكله وفى إيثار رجلا على بشرا إيذان بأن الجعل بطريق التمثيل لا بطريق قلب الحقيقة وتعيين لما يقع به التمثيل وقوله تعالى (وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ) عطف على جواب لو مبنى على الجواب الأول وقرىء بحذف لام الجواب اكتفاء* بما فى المعطوف عليه يقال لبست الأمر على القوم ألبسه اذا شبهته وجعلته مشكلا عليهم وأصله الستر بالثوب وقرىء الفعلان بالتشديد للمبالغة أى ولخلطنا عليهم بتمثيله رجلا (ما يَلْبِسُونَ) على أنفسهم* حينئذ بأن يقولوا له إنما أنت بشر ولست بملك ولو استدل على ملكيته بالقرآن المعجز الناطق بها أو بمعجزات أخر غير ملجئة إلى التصديق لكذبوه كما كذبوا النبى عليه الصلاة والسلام ولو أظهر لهم صورته الأصلية لزم الأمر الأول والتعبير عن تمثيله تعالى رجلا باللبس إما لكونه فى سورة اللبس