(وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ (٧) وَقالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ) (٨)
____________________________________
لم ينقص من ملكه شيئا بل كلما أهلك أمة أنشأ بدلها أخرى (وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ) جملة مستأنفة سيقت بطريق تلوين الخطاب لبيان شدة شكيمتهم فى المكابرة وما يتفرع عليها من الأقاويل الباطلة إثر بيان إعراضهم عن آيات الله تعالى وتكذيبهم بالحق واستحقاقهم بذلك لنزول العذاب ونسبة التنزيل ههنا إليه عليهالسلام مع نسبة إتيان الآيات ومجىء الحق فيما سبق إليهم للإشعار بقدحهم فى نبوته عليهالسلام فى ضمن قدحهم فيما نزل عليه صريحا وقال الكلبى ومقاتل نزلت فى النضر بن الحرث وعبد الله بن أبى أمية ونوفل ابن خويلد حيت قالوا لرسول الله صلىاللهعليهوسلم لن نؤمن لك حتى تأتينا بكتاب من عند الله ومعه أربعة من الملائكة* يشهدون أنه من عند الله تعالى وأنك رسوله (كِتاباً) إن جعل اسما كالإمام فقوله تعالى (فِي قِرْطاسٍ) متعلق بمحذوف وقع صفة له أى كتابا كائنا فى صحيفة وإن جعل مصدرا بمعنى المكتوب فهو متعلق بنفسه* (فَلَمَسُوهُ) أى الكتاب وقيل القرطاس وقوله تعالى (بِأَيْدِيهِمْ) مع ظهور أن اللمس لا يكون عادة إلا بالأيدى لزيادة التعين ودفع احتمال التجوز الواقع فى قوله تعالى (وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّماءَ) أى تفحصنا أى فمسوه بأيديهم بعد ما رأوه بأعينهم بحيث لم يبق لهم فى شأنه اشتباه ولم يقدروا على الاعتذار بتسكير* الأبصار (لَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا) أى لقالوا وإنما وضع الموصول موضع الضمير للتنصيص على اتصافهم* بما فى حيز الصلة من الكفر الذى لا يخفى حسن موقعه باعتبار مفهومه اللغوى أيضا (إِنْ هذا) أى ما هذا* مشيرين إلى ذلك الكتاب (إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) أى بين كونه سحرا تعننا وعنادا للحق بعد ظهوره كما هو دأب المفحم المحجوج وديدن المكابر اللجوج (وَقالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ) شروع فى قدحهم فى نبوته عليهالسلام صريحا بعد ما أشير إلى قدحهم فيما ضمنا وقيل هو معطوف على جواب لو وليس بذاك لما أن تلك المقالة الشنعاء ليست مما يقدر صدوره عنهم على تقدير تنزيل الكتاب المذكور بل هى من أباطيلهم المحققة وخرافاتهم الملفقة التى يتعللون بها كلما ضاقت عليهم الحيل وعيت بهم العلل أى هلا أنزل عليه عليهالسلام ملك بحيث نراه ويكلمنا أنه نبى حسبما نقل عنهم فيما روى عن الكلبى ومقاتل ونظيره قولهم لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا ولما كان مدار هذا الاقتراح على شيئين إنزال الملك كما هو وجعله معه عليهالسلام نذيرا أجيب عنه بأن ذلك مما لا يكاد يدخل تحت الوجود أصلا لاشتماله على أمرين متباينين لا يجتمعان فى الوجود لما أن إنزال الملك على صورته يقتضى انتفاء جعله نذيرا وجعله نذيرا يستدعى* عدم إنزاله على صورته لا محالة وقد أشير إلى الأول بقوله تعالى (وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ) أى لو أنزلنا ملكا على هيئته حسبما اقترحوه والحال أنه من هول المنظر بحيث لا تطيق بمشاهدته قوى الآحاد البشرية ألا يرى أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كانوا يشاهدون الملائكة ويفاوضونهم على الصور