(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (٨) وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (٩) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ) (١٠)
____________________________________
الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ) وقال مجاهد هو الميثاق الذى أخذه الله تعالى على عباده حين أخرجهم* من صلب آدم عليهالسلام (وَاتَّقُوا اللهَ) أى فى نسيان نعمته ونقض ميثاقه أو فى كل ما تأتون وما تذرون* فيدخل فيه ما ذكر دخولا أوليا (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) أى بخفياتها الملابسة لها ملابسة تامة مصححة لإطلاق الصاحب عليها فيجازيكم عليها فما ظنكم بجليات الأعمال والجملة اعتراض تذييلى وتعليل للأمر بالإتقاء وإظهار الاسم الجليل فى موقع الإضمار لتربية المهابة وتعليل الحكم وتقوية استقلال الجملة (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) شروع فى بيان الشرائع المتعلقة بما يجرى بينهم وبين غيرهم إثر بيان ما يتعلق بأنفسهم (كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ) مقيمين لأوامره ممتثلين بها معظمين لها مراعين لحقوقها (شُهَداءَ بِالْقِسْطِ) أى بالعدل (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ) أى لا يحملنكم (شَنَآنُ قَوْمٍ) أى شدة بغضكم لهم (عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا) فلا تشهدوا فى حقوقهم بالعدل أو فتعتدوا عليهم بارتكاب مالا يحل كمثلة وقذف وقتل نساء وصبية ونقض عهد تشفيا وغير* ذلك (اعْدِلُوا هُوَ) أى العدل (أَقْرَبُ لِلتَّقْوى) الذى أمرتم به صرح لهم بالأمر بالعدل وبين أنه بمكان من التقوى بعد مانهاهم عن الجور وبين أنه مقتضى الهوى وإذا كان وجوب العدل فى حق الكفار* بهذه المثابة فما ظنك بوجوبه فى حق المسلمين (وَاتَّقُوا اللهَ) أمر بالتقوى إثر ما بين أن العدل أقرب له* اعتناء بشأنه وتنبيها على أنه ملاك الأمر (إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) من الأعمال فيجازيكم بذلك وتكرير هذا الحكم إما لاختلاف السبب كما قيل إن الأول نزل فى المشركين وهذا فى اليهود أو لمزيد الاهتمام بالعدل والمبالغة فى إطفاء ثائرة الغيظ والجملة تعليل لما قبلها وإظهار الجلالة لما مر مرات وحيث كان مضمونها منبئا عن الوعد والوعيد عقب بالوعد لمن يحافظ على طاعته تعالى وبالوعيد لمن يخل بها فقيل (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) التى من جملتها العدل والتقوى (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ) حذف ثانى مفعولى وعد استغناء عنه بهذه الجملة فإنه استئناف مبين له وقيل الجملة فى موقع المفعول فإن الوعد ضرب من القول فكأنه قيل وعدهم هذا القول (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا) التى من جملتها ما تليت* من النصوص الناطقة بالأمر بالعدل والتقوى (أُولئِكَ) الموصوفون بما ذكر من الكفر وتكذيب* الآيات (أَصْحابُ الْجَحِيمِ) ملابسوها ملابسة مؤبدة. من السنة السنية القرآنية شفع الوعد بالوعيد والجمع بين الترغيب والترهيب إيفاء لحق الدعوة بالتبشير والإنذار.