(ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَنْ قالُوا وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ (٢٣) انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ) (٢٤)
____________________________________
عدم حضورها بعنوان الشركة والشفاعة منزلة عدم حضورها فى الحقيقة إذ ليس السؤال عنها من حيث ذواتها بل إنما هو من حيث أنها شركاء كما يعرب عنه الوصف بالموصول ولا ريب فى أن عدم الوصف يوجب عدم الموصوف من حيث هو موصوف فهى من حيث هى شركاء غائبة لا محالة وإن كانت حاضرة من حيث ذواتها أصناما كانت أو غيرها وأما ما يقال من أنه يحال بينها وبينهم فى وقت التوبيخ ليفقدوهم فى الساعة التى علقوا بها الرجاء فيها فيروا مكان خزيهم وحسرتهم فربما يشعر بعدم شعورهم بحقيقة الحال وعدم انقطاع حبال رجائهم عنها بعد وقد عرفت أنهم شاهدوها قبل ذلك وانصرمت عروة أطماعهم عنها بالكلية على أنها معلومة لهم من حين الموت والابتلاء بالعذاب فى البرزخ وإنما الذى يحصل يوم الحشر الانكشاف الجلى واليقين القوى المترتب على المحاضرة والمحاورة (ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ) بتأنيث الفعل ورفع* فتنتهم على أنه اسم له والخبر (إِلَّا أَنْ قالُوا) وقرىء بنصب فتنتهم على أنها الخبر والاسم إلا أن قالوا والتأنيث للخبر كما فى قولهم من كانت أمك وقرىء بالتذكير مع رفع الفتنة ونصبها ورفعها أنسب بحسب المعنى والجملة عطف على ما قدر عاملا فى يوم نحشرهم كما أشير إليه فيما سلف والاستثناء مفرغ من أعم الأشياء وفتنتهم إما كفرهم مرادا به عاقبته أى لم تكن عاقبة كفرهم الذى لزموه مدة أعمارهم وافتخروا* به شيئا من الأشياء إلا جحوده والتبرؤ منه بأن يقولوا (وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ) وأما جوابهم عبر عنه بالفتنة لأنه كذب ووصفه تعالى بربوبيته لهم للمبالغة فى التبرؤ من الإشراك وقرىء ربنا على النداء فهو لإظهار الضراعة والابتهال فى استدعاء قبول المعذرة وإنما يقولون ذلك مع علمهم بأنه بمعزل من النفع رأسا من فرط الحيرة والدهش وحمله على معنى ما كنا مشركين عند أنفسنا وما علمنا فى الدنيا أنا على خطأ فى معتقدنا مما لا ينبغى أن يتوهم أصلا فإنه مما يوهم أن لهم عذرا ما وأن لهم قدرة على الاعتذار فى الجملة وذلك مخل بكمال هول اليوم قطعا على أنه قد قضى ببطلانه قوله تعالى (انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ) فإنه تعجيب من كذبهم الصريح بإنكار صدور الإشراك عنهم فى الدنيا أى انظر كيف كذبوا على أنفسهم فى قولهم ذلك فإنه أمر عجيب فى الغاية وأما حمله على كذبهم فى الدنيا فتمحل يجب ئنزيه ساحة* التنزيل عنه وقوله تعالى (وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ) عطف على (كَذَبُوا) داخل معه فى حكم التعجيب وما مصدرية أو موصولة قد حذف عائدها والمعنى انظر كيف كذبوا باليمين الفاجرة المغلظة على أنفسهم بإنكار صدور ما صدر عنهم وكيف ضل عنهم أى زال وذهب افتراؤهم أو ما كانوا يفترونه من الإشراك حتى نفوا صدوره عنهم بالكلية وتبرءوا منه بالمرة وقيل ما عبارة عن الشركاء وإيقاع الافتراء عليها مع أنه فى الحقيقة واقع على أحوالها من الإلهية والشركة والشفاعة ونحوها للمبالغة فى أمرها كأنها نفس المفترى وقيل الجملة كلام مستأنف غير داخل فى حيز التعجيب.