(وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها حَتَّى إِذا جاؤُكَ يُجادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلاَّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) (٢٥)
____________________________________
(وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ) كلام مبتدأ مسوق لحكاية ما صدر فى الدنيا عن بعض المشركين من أحكام الكفر ثم بيان ما سيصدر عنهم يوم الحشر تقريرا لما قبله وتحقيقا لمضمونه والضمير للذين أشركوا ومحل الظرف الرفع على أنه مبتدأ باعتبار مضمونه أو بتقدير الموصوف كما فى قوله تعالى ومنادون ذلك أى وجمع منا الخ ومن موصولة أو موصوفة محلها الرفع على الخبرية والمعنى وبعضهم أو وبعض منهم الذى يستمع إليك أو فريق يستمع إليك على أن مناط الإفادة اتصافهم بما فى حيز الصلة أو الصفة لا كونهم ذوات أولئك المذكورين وقد مر فى تفسير قوله تعالى (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ) الخ. روى أنه اجتمع أبو سفيان والوليد والنضر وعتبة وشيبة وأبو جهل وأضرابهم يستمعون تلاوة رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقالوا للنضر وكان صاحب أخبار يا أبا قتيلة ما يقول محمد فقال والذى جعلها بيته ما أدرى ما يقول إلا أنه يحرك لسانه ويقول أساطير الأولين مثل ما حدثتكم من القرون الماضية فقال أبو سفيان إنى لأراه حقا فقال أبو جهل كلا فنزلت (وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً) من الجعل بمعنى الإنشاء وعلى متعلقة به وضمير قلوبهم راجع إلى من وجمعيته بالنظر إلى معناها كما أن إفراد ضمير يستمع بالنظر إلى لفظها وقد روعى جانب المعنى فى قوله تعالى (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ) الآية والأكنة جمع كنان وهو ما يستر به الشىء وتنوينها للتفخيم والجملة إما مستأنفة للإخبار بما تضمنه من الختم أو حال من فاعل يستمع بإضمار قد عند من يقدرها قبل الماضى الواقع حالا أى يستمعون إليك وقد ألقينا على قلوبهم أغطية كثيرة لا يقادر قدرها خارجة عما يتعارفه الناس (أَنْ يَفْقَهُوهُ) أى كراهة* أن يفقهوا ما يستمعونه من القرآن المدلول عليه بذكر الاستماع ويجوز أن يكون مفعولا لما ينبىء عنه الكلام أى منعناهم أن يفقهوه (وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً) صمما وثقلا مانعا من سماعه والكلام فيه كما فى قوله تعالى (عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً) وهذا تمثيل معرب عن كمال جهلهم بشئون النبى عليه الصلاة والسلام وفرط نبوة قلوبهم عن فهم القرآن الكريم ومج أسماعهم له وقد مر تحقيقه فى أول سورة البقرة وقيل هو حكاية لما (قالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنا وَقْرٌ) الآية وأنت خبير بأن مرادهم بذلك الإخبار بما اعتقدوه فى حق القرآن والنبى صلىاللهعليهوسلم جهلا وكفرا من اتصافهما بأوصاف مانعة من التصديق والإيمان ككون القرآن سحرا وشعرا وأساطير الأولين وقس على ما تخيلوه فى حق النبى صلىاللهعليهوسلم لا الإخبار بأن هناك أمرا وراء ذلك قد حال بينهم وبين إدراكه حائل من قبلهم حتى يمكن حمل النظم الكريم على ذلك (وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ) من الآيات القرآنية أى يشاهدوها بسماعها (لا يُؤْمِنُوا بِها) على عموم النفى لا على نفى العموم أى* كفروا بكل واحدة منها لعدم اجتلائهم إياها كما هى لما مر من حالهم (حَتَّى إِذا جاؤُكَ يُجادِلُونَكَ) هى حتى* التى تقع بعدها الجمل والجملة هى قوله تعالى (إِذا جاؤُكَ (يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا) وما بينهما حال من فاعل* جاءوا وإنما وضع الموصول موضع الضمير ذما لهم بما فى حيز الصلة وإشعارا بعلة الحكم أى بلغوا من