(وَقالُوا إِنْ هِيَ إِلاَّ حَياتُنَا الدُّنْيا وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (٢٩) وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلى رَبِّهِمْ قالَ أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِّ قالُوا بَلى وَرَبِّنا قالَ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ) (٣٠)
____________________________________
الكفرة عن أتباعهم من أمر البعث والنشور أو ما كتمه علماء أهل الكتابين من صحة نبوة النبى صلىاللهعليهوسلم ونعوته الشريفة عن عوامهم على أن الضمير المجرور للعوام والمرفوع للخواص أو كفرهم الذى أخفوه عن المؤمنين والضمير المجرور للمؤمنين والمرفوع للمنافقين فبعد الإغضاء عما فى كل منها من الاعتساف والاختلال لا سبيل إلى شىء من ذلك أصلا لما عرفت من أن سوق النظم الشريف لتهويل أمر النار وتفظيع حال أهلها وقد ذكر وقوفهم عليها وأشير إلى أنه اعتراهم عند ذلك من الخوف والخشية والحيرة والدهشة ما لا يحيط به الوصف ورتب عليه تمنيهم المذكور بالفاء القاضية بسببية ما قبلها لما بعدها فإسقاط النار بعد ذلك من تلك السببية وهى فى نفسها أدهى الدواهى وأزجر الزواجر وإسنادها إلى شىء من الأمور المذكورة التى دونها فى الهول والزجر مع عدم جريان ذكرها ثمة أمر يجب تنزيه ساحة التنزيل عن أمثاله وأما ما قيل من* أن المراد جزاء ما كانوا يخفون فمن قبيل دخول البيوت من ظهورها وأبوابها مفتوحة فتأمل (وَلَوْ رُدُّوا) * أى من موقفهم ذلك إلى الدنيا حسبما تمنوه وغاب عنهم ما شاهدوه من الأهوال (لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ) من فنون القبائح التى من جملتها التكذيب المذكور ونسوا ما عاينوه بالكلية لاقتصار أنظارهم على الشاهد دون الغائب (وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) أى لقوم ديدنهم الكذب فى كل ما يأتون وما يذرون (وَقالُوا) عطف على عادوا داخل فى حيز الجواب وتوسيط قوله تعالى (وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) بينهما لأنه اعتراض مسوق لتقرير ما أفاده الشرطية من كذبهم المخصوص ولو أخر لأوهم أن المراد تكذيبهم فى إنكارهم البعث* والمعنى لو ردوا إلى الدنيا لعادوا لما نهوا عنه وقالوا (إِنْ هِيَ) أى ما الحياة (إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ) بعد ما فارقنا هذه الحياة كأن لم يروا ما رأوا من الأحوال التى أو لها البعث والنشور (وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلى رَبِّهِمْ) الكلام فيه كالذى مر فى نظيره خلا أن الوقوف ههنا مجاز عن الحبس للتوبيخ والسؤال كما يوقف العبد الجانى بين يدى سيده للعقاب وقيل عرفوا ربهم حق التعريف وقيل وقفوا على* جزاء ربهم وقوله تعالى (قالَ) استئناف مبنى على سؤال نشأ من الكلام السابق كأنه قيل فماذا قال لهم ربهم* إذ ذاك فقيل قال (أَلَيْسَ هذا) مشيرا إلى ما شاهدوه من البعث وما يتبعه من الأمور العظام (بِالْحَقِّ) * تقريعا لهم على تكذيبهم لذلك وقولهم عند سماع ما يتعلق به ما هو بحق وما هو إلا باطل (قالُوا) استئناف* كما سبق (بَلى وَرَبِّنا) أكدوا اعترافهم باليمين إظهارا لكمال يقينهم بحقيته وإيذانا بصدور ذلك عنهم بالرغبة* والنشاط طمعا فى نفعه (قالَ) استئناف كما مر (فَذُوقُوا الْعَذابَ) الذى عاينتموه والفاء لترتيب التعذيب على اعترافهم بحقية ما كفروا به فى الدنيا لكن لا على أن مدار التعذيب هو اعترافهم بذلك بل هو كفرهم السابق* بما اعترفوا بحقيته الآن كما نطق به قوله عزوجل (بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ) أى بسبب كفركم فى الدنيا بذلك أو