(قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ) (٣٣)
____________________________________
عمل يشغل النفس ويفطرها عما تنتفع به واللهو صرفها عن الجد إلى الهزل والمعنى إما على حذف المضاف أو على جعل الحياة الدنيا نفس اللعب واللهو مبالغة كما فى قول الخنساء فإنما هى إقبال وإدبار أى وما أعمال الدنيا أى الأعمال المتعلقة بها من حيث هى هى أو وما هى من حيث أنها محل لكسب تلك الأعمال إلا لعب يشغل الناس ويلهيهم بما فيه من منفعة سريعة الزوال ولذة وشبكة الاضمحلال عما يعقبهم* منفعة جليلة باقية ولذة حقيقة غير متناهية من الإيمان والعمل الصالح (وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ) التى هى محل* الحياة الأخرى (خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ) الكفر والمعاصى لأن منافعها خالصة عن المضار ولذاتها غير منغصة* بالآلام مستمرة على الدوام (أَفَلا تَعْقِلُونَ) ذلك حتى تتقوا ما أنتم عليه من الكفر والعصيان والفاء للعطف على مقدر أى أتغفلون فلا تعقلون أو ألا تتفكرون فتعقلون وقرىء يعقلون على الغيبة (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ) استئناف مسوق لتسلية رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن الحزن الذى يعتريه مما حكى عن الكفرة من الإصرار على التكذيب والمبالغة فيه ببيان أنه عليه الصلاة والسلام بمكانة من الله عزوجل وأن ما يفعلون فى حقه فهو راجع إليه تعالى فى الحقيقة وأنه ينتقم منهم لا محالة أشد انتقام وكلمة قد لتأكيد العلم بما ذكر المفيد لتأكيد الوعيد كما فى قوله تعالى (قَدْ يَعْلَمُ ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ) وقوله تعالى (قَدْ يَعْلَمُ اللهُ الْمُعَوِّقِينَ) ونحوهما بإخراجها إلى معنى التكثير حسبما يخرج إليه ربما فى مثل قوله[وإن تمس مهجور الفناء فربما * أقام به بعد الوفود وفود] جريا على سنن العرب عند قصد الإفراط فى التكثير تقول لبعض قواد العساكركم عندك من الفرسان فيقول رب فارس عندى وعنده مقانب جمة يريد بذلك التمادى فى تكثير فرسانه ولكنه يروم إظهار براءته عن التزيد وإبراز أنه ممن يقلل كثير ما عنده فضلا عن تكثير القليل وعليه قوله عزوجل (رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ) وهذه طريقة إنما تسلك عند كون الأمر من الوضوح بحيث لا تحوم حوله شائبة ريب حقيقة كما فى الآيات الكريمة المذكورة أو ادعاء كما فى البيت وقوله [قد أترك القرن مصفرا أنامله] وقوله [ولكنه قد يهلك المال نائله] والمراد بكثرة علمه تعالى كثرة تعلقه وهو متعد إلى اثنين وما بعده ساد مسدهما واسم إن ضمير الشأن وخبرها الجملة المفسرة له والموصول فاعل يحزنك وعائده محذوف أى الذى يقولونه وهو ما حكى عنهم من قولهم (إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) ونحو ذلك وقرىء ليحزنك من أحزن المنقول من حزن اللازم وقوله تعالى (فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ) تعليل لما يشعر به الكلام السابق من النهى عن الاعتداد بما قالوا لكن لا بطريق التشاغل عنه وعده هينا والإقبال التام على ما هو أهم منه من استعظام جحودهم بآيات الله عزوجل كما قيل فإنه مع كونه بمعزل من التسلية بالكلية مما يوهم كون حزنه عليه الصلاة والسلام لخاصة نفسه بل بطريق التسلى بما يفيده من بلوغه عليه الصلاة والسلام فى جلالة القدر ورفعة المحل والزلفى من الله عزوجل إلى حيث لا غاية وراءه حيث لم يقتصر على جعل تكذيبه صلىاللهعليهوسلم تكذيبا لآياته سبحانه على طريقة قوله تعالى (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ