(وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلى ما كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتاهُمْ نَصْرُنا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللهِ وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ) (٣٤)
____________________________________
فَقَدْ أَطاعَ اللهَ) بل نفى تكذيبهم عنه صلىاللهعليهوسلم وأثبت لآياته تعالى على طريقة قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ) إيذانا بكمال القرب واضمحلال شئونه صلىاللهعليهوسلم فى شأن الله عزوجل نعم فيه استعظام لجناياتهم منبىء عن عظم عقوبتهم كأنه قيل لا تعتد به وكله إلى الله تعالى فإنهم فى تكذيبهم ذلك لا يكذبونك فى الحقيقة (وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ) أى ولكنهم بآياته تعالى يكذبون فوضع المظهر موضع المضمر تسجيلا* عليهم بالرسوخ فى الظلم الذى جحودهم هذا فن من فنونه والالتفات إلى الاسم الجليل لتربية المهابة واستعظام ما أقدموا عليه من جحود آياته تعالى وإيراد الجحود فى مورد التكذيب للإيذان بأن آياته تعالى من الوضوح بحيث يشاهد صدقها كل أحد وأن من ينكرها فإنما ينكرها بطريق الجحود الذى هو عبارة عن الإنكار مع العلم بخلافه كما فى قوله تعالى (وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ) وهو المعنى بقول من قال أنه نفى ما فى القلب إثباته أو إثبات ما فى القلب نفيه والباء متعلقة بيجحدون يقال جحد حقه وبحقه إذا أنكره وهو يعلمه وقيل هو لتضمين الجحود معنى التكذيب وأيا ما كان فتقديم الجار والمجرور للقصر وقيل المعنى فإنهم لا يكذبونك بقلوبهم ولكنهم يجحدون بألسنتهم ويعضده ما روى من أن الأخنس بن شريق قال لأبى جهل يا أبا الحكم أخبرنى عن محمدا صادق هو أم كاذب فإنه ليس عندنا أحد غيرنا فقال له والله إن محمدا لصادق وما كذب قط ولكن إذا ذهب بنو قصى باللواء والسقاية والحجابة والنبوة فماذا يكون لسائر قريش فنزلت وقد روى عن ابن عباس رضى الله عنهما أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان يسمى الأمين فعرفوا أنه لا يكذب فى شىء ولكنهم كانوا يجحدون وقيل فإنهم لا يكذبونك لأنك عندهم الصادق الموسوم بالصدق ولكنهم يجحدون بآيات الله كما يروى أن أبا جهل كان يقول لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ما نكذبك وإنك عندنا لصادق ولكنا نكذب ما جئتنا به فنزلت وكأن صدق المخبر عند الخبيث بمطابقة خبره لاعتقاده والأول هو الذى تستدعيه الجزالة التنزيلية وقرىء لا يكذبونك من الإكذاب فقيل كلاهما بمعنى واحد كأكثر وكثر وأنزل ونزل وهو الأظهر وقيل معنى أكذبه وجده كاذبا ونقل عن الكسائى أن العرب تقول كذبت الرجل أى نسبت الكذب إليه وأكذبته أى نسبت الكذب إلى ما جاء به لا إليه. وقوله تعالى (وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ) افتنان فى تسليته عليه الصلاة والسلام فإن عموم البلية ربما يهون أمرها بعض تهوين وإرشاد له عليه الصلاة والسلام إلى الاقتداء بمن قبله من الرسل الكرام عليهم الصلاة والسلام فى الصبر على ما أصابهم من أممهم من فنون الأذية وعدة ضمنية له عليه الصلاة والسلام بمثل ما منحوه من النصر وتصدير الكلام بالقسم لتأكيد التسلية وتنوين رسل للتفخيم والتكثير ومن إما متعلقة بكذبت أو بمحذوف وقع صفة لرسل أى وبالله لقد كذبت من قبل تكذيبك رسل أولو شأن خطير وذوو عدد كثير أو كذبت رسل كانوا من زمان قبل زمانك (فَصَبَرُوا عَلى ما كُذِّبُوا) ما مصدرية وقوله*