(فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ) (٧٦)
____________________________________
وبصرناه وصيغة الاستقبال حكاية للحال الماضية لاستحضار صورتها وذلك إشارة إلى مصدر نرى لا إلى إراءة أخرى مفهومة من قوله (إِنِّي أَراكَ) وما فيه من معنى البعد للإيذان بعلو درجة المشار إليه وبعد منزلته فى الفضل وكمال تميزه بذلك وانتظامه بسببه فى سلك الأمور المشاهدة والكاف لتأكيد ما أفاده اسم الإشارة من الفخامة ومحلها فى الأصل النصب على أنه نعت لمصدر محذوف وأصل التقدير نرى إبراهيم إراءة كائنة مثل تلك الإراءة فقدم على الفعل لإفادة القصر واعتبرت الكاف مقحمة للنكتة المذكورة* فصار المشار إليه نفس المصدر المؤكد لا نعتا له أى ذلك التبصير البديع نبصره عليهالسلام (مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أى ربوبيته تعالى ومالكيته لهما وسلطانه القاهر عليهما وكونهما بما فيهما مربوبا ومملوكا له تعالى لا تبصيرا آخر أدنى منه والملكوت مصدر على زنة المبالغة كالرهبوت والجبروت ومعناه الملك العظيم والسلطان القاهر ثم هل هو مختص بملك الله عز سلطانه أولا فقد قيل وقيل والأول هو الأظهر وبه قال الراغب وقيل ملكوتهما وعجائبهما وبدائعهما روى أنه كشف له عليهالسلام عن السموات والأرض حتى العرش وأسفل الأرضين وقيل آياتهما وقيل ملكوت السموات الشمس والقمر والنجوم وملكوت الأرض الجبال والأشجار والبحار وهذه الأقوال لا تقتضى أن تكون الإراءة بصرية إذ ليس المراد بإراءة ما ذكر من الأمور الحسية مجرد تمكينه عليهالسلام من إبصارها ومشاهدتها فى أنفسها بل اطلاعه عليهالسلام على حقائقها وتعريفها من حيث دلالتها على شئونه عزوجل ولا ريب فى أن ذلك ليس مما يدرك حسا كما ينبىء عنه اسم الإشارة المفصح عن كون المشار إليه أمرا بديعا فإن الإراءة البصرية المعتادة بمعزل من تلك المثابة وقرىء ترى بالتاء وإسناد الفعل إلى* الملكوت أى تبصره عليهالسلام دلائل الربوبية واللام فى قوله تعالى (وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ) متعلقة بمحذوف مؤخر والجملة اعتراض مقرر لما قبلها أى وليكون من زمرة الراسخين فى الإيقان البالغين درجة عين اليقين من معرفة الله تعالى فعلنا ما فعلنا من التبصير البديع المذكور لا لأمر آخر فإن الوصول إلى تلك الغاية القاصية كمال مترتب على ذلك التبصير لا عينه وليس القصر لبيان انحصار فائدته فى ذلك كيف لا وإرشاد الخلق وإلزام المشركين كما سيأتى من فوائده بلا مرية بل لبيان أنه الأصل الأصيل والباقى من مستتبعاته وقيل هى متعلقة بالفعل السابق والجملة معطوفة على علة أخرى محذوفة ينسحب عليها الكلام أى ليستدل بها وليكون الخ فينبغى أن يراد بملكوتهما بدائعهما وآياتهما لأن الاستدلال من غايات إراءتها لا من غايات إراءة نفس الربوبية وقوله تعالى (فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ) على الأول وهو الحق المبين عطف على (قالَ إِبْراهِيمُ) داخل تحت ما أمر بذكره بالأمر بذكر وقته وما بينهما اعتراض مقرر لما سبق وما لحق فإن تعريفه عليهالسلام ربوبيته ومالكيته للسموات والأرض وما فيهما وكون الكل مقهورا تحت ملكوته مفتقرا إليه فى الوجود وسائر ما يترتب عليه من الكمالات وكونه من الراسخين فى معرفة شئونه تعالى الواصلين إلى ذروة عين اليقين مما يقضى بأن يحكم عليهالسلام باستحالة إلهية ما سواه